الخميس، 20 سبتمبر 2012

ثم انهار السد ..لا ضير ..لا ضير !!





عدت اليوم من ذلك الصرح المسمى بالمدرسة ..وتلك الحالة الغريبة التى بدأت ولم تنتهى لم تفارقنى لحظة !
شئ لا أدرى كنهه ..شعور عجيب ينتابنى..يعشش هناك بالداخل ..يجعلنى أريد البكاء ولكن ترف البكاء هذا ليس متوفراً لى ..وكأن البكاء نشاط آخر غير ذى جدوى .. ما الذى ستشكله بضعة دموع على وجنتى صامتة حزينة .. لا أحبذ جو المسرحيات الحزينة هذا .. هل ستغير هذه الدموع العالم ؟ .. هل ستضع مصر فى مقلاع وتقذف بها إلى أعلى الأعالى ؟ ..لن تفعل شيئاً أى أميجو ..
لا تستفزنى وتقول أنها ستفرغ ما فى من شحنة حزن وغضب ..
لا أتمتع بضغط دم ممتاز يجعلنى احتمل مثل هذا الكلام المبتذل (الحمضان) .. أسمعك تتطقطق بلسانك ..أراك تتململ فى مكانك وتقطب حاجبيك وتتمايل برأسك يميناً ويساراً وتسألنى متظاهراً بالضيق الشديد على حالى ..أسمعك تقول فى حزن تحاول أن تجعله موازياً لحزنى : "ليه يا حبيبتى ؟.. ليه تزعلى كده ؟..الحياة جميييييييييلة .. بس انتى بس بصى للحاجات الحلوة !!"
يا (شخص) أنت ..اعذرنى أرجوك ..أنا فقدت الـ(ساتالايت) الذى كان فى روحى ويلتقط السعادة والمرح .. أراك تتطقطق من جديد بلسانك وتستعد لقول المزيد من الدرر التى -ولا أعرف لماذا- تراها مناسبة جداً للموقف رغم أنها ليست مناسبة بتاتاً إلا للإصابة بنوبة قلبية محترمة مميتة .. لو كررت كلاماً كهذا مرة أخرى فأعدك أننى سأضربك فى معدتك بقوة تجعلك تفرغ معدتك على أرضية الغرفة !!
 ما الجدوى من كتاباتى التى أكتبها أو خواطرى أو قصائدى؟؟هه؟؟ .. هى ليست درر الزمان ..ولا تحتوى -ولو على قدر بسيط - من الحكمة التى تكسو النضج المكتسب خلال سنوات العمر ..
النضج هذا شئ بعيد جداً .. أحاول جاهدة أن أمد يدى لألتقطه من مكانه العالى ..ولكن الأمر ليس بهذه السهولة وإلا لكانت الحياة جنة !!
لا تظنن يا أميجو أنه لأنك بلغت عامك السادس والثلاثين أنك شاب ناضج ناضج ناضج ناضج .. مفعم بالنضج ..مفعم بالأفكار التى ستجعل الفئران تعيش فى مساكن أفضل .. أو تجعل الأطفال المزعجين يكفون عن ربط حشرات اليعسوب بالخيط واللعب بها ..أعنى انك بالتأكيد ستستطيع أن تعمل ..أن تعتمد على دخلك الخاص .. أن تتزوج وتنجب ..أن تحصل على رخصة قيادة ..أن تحضر السباك لمنزلك لأن زوجتك تشكو من حنافية المطبخ التى لا تنفك قطرات الماء  تتساقط منها  ..أن تدفع أتعاب السباك من جيبك الخاص .. ولكن النضج الجسدى لا يملك إلا أن يقف مطأطئ الرأس أمام النضج الروحى الحقيقى ..وأن يتنحى جانباً ويفسح له المجال !!
 لم أعد أنظر إلى الأمس ملياً أو إلى حياتى فى الماضى بنظرة ثاقبة كما كنت أفعل قبلاً.. ولم أعد أرمق صور نجيب محفوظ بنفس الإعجاب الذى كنت أرمقها به عندما كنت فى الصف الثانى الإبتدائى .. لم أعد أبالى عندما أرى نحلة تجول فى هواء فصلنا فى المدرسة .. بل أظن أن هذه النحلة أسعد 3490824098 مرة من جنسنا البائس .. الإنسان كائن تعس جداً .. أعلم أن الحزن يأتى من مصادر عدة ..ويخزن أيضاً فى مخازن عدة .. مثلاً الطفل الصومالى حزين لأنه لا يجد ما يسد رمقه .. أو بالكاد هو حزين ..لأنه لا يملك ترفاً كترف الحزن ..لأنه لا يشعر أساساً بشئ ..
المرأة من الطبقة الأرستقراطية تحزن لأسباب وجدانية نفسية بحتة .. على غرار : (النفس بها إيلام والقلب لا ينام) أو (لم يعد الطعام يترك مذاقاً فى فمى منذ مات "لولى" ) 
وغالباً ما سيكون هذا الـ(لولى) كلبها الشيواوا أو اللولو المرقط !!
لست فتاة أرستقراطية ..ولم أسمع فى حياتى عن مراهقة أرستقراطية أصلاً ..يا أميجو أنا من الطبقة البروليتارية الكادحة ..مصرية أخرى مثل أخرى مثل أخرى مثل أخريات مثل آخر مثل آخرين ..
أعرف أن المراهقين يحزنون بسبب (شئ ما) .. ربما بسبب الحب .. أو شجار مع حبيبة القلب -أو حبيب القلب- ..أشياء سخيفة من هذا القبيل..بسبب أن الربيع قد تأخر .. أو لأن الشتاء يؤثر فيهم بشدة ..أو لأن هناك أجزاءاً من المنهج اكتشفوا فى نهاية العام أنها مظلمة تماماً وأنهم لم يتطرقوا إليها قبلاً منذ بداية العام !!
وأحياناً يحزنون بسبب (شئ ما) فعلاً .. شئ ما لا يعرفون كنهه ..  .. أمهاتهم لا يعرفون كنهه ..آباؤهم لا يعرفون كنهه ..مدرسونهم لا يعرفون كنهه .. هم لا يعرفون كنهه ..لأنه شئ غير معروف الكنه فعلاً ...
ولكن هذه الشطحات لم تصبنى ..ولو أصابتنى فسأعرف أنها شطحات المراهقة على الفور.. وسأحاول أن أنتشل نفسى منها .. 
أما هذا فليس من الشطحات أبداً .. إنما هو شئ آخر .. الآن لم أعد أشك فى أن الجاثوم يأتى لزيارتى ليلاً وأنا نائمة .. يأتى ويجثم فوقى كالكابوس .. أسعل .. أتململ فى فراشى .. أسعل من جديد ..أحاول أن أتقلب ولكنه يجثم فوقى ..حجابى الحاجز يصرخ طالباً النجدة ..أهز كتفىَّ .. تتحرك أصابع يدى فى حركات عصبية لا إرادية .. يتصبب جبينى عرقاً بارداً .. تظهر تجعدات على جفنىَّ من كثرة الضغط عليهما ..ثم ...
أفتح عينىَّ .. ولا أجده .. ليس هناك .. لم يكن هناك أبداً .. ولكن ..
ولكن ذلك الثقل .. أشعر به .. الثقل على صدرى .. ثقل غير مادى ..شيطانى .. ليس استحواذاً -فال الله ولا فالك يعنى- .. ولكن ما الجسم الذى يسبب ذلك الثقل .. ربى أعلم 
حاولت اليوم الإستذكار قليلاً .. حتى لا أشعر بالذنب لأنى أضعت الوقت -اعمل اللى عليا يعنى- ..أحضرت كتاب الرياضيات ..وفتحت صفحة كذا .. سأذاكر ذلك الدرس ..أعلم أننى  سأفعل ..أعلم أننى إذا ذاكرته فسينحنى لى الخوارزمى احتراماً ..وسيخلع قبعته -أو عِمَته فى هذه الحالة- من أجلى ..سيتوسل إلىَّ الرئيس لكى أتنازل وأقبل منصب رئيسة الوزراء .. وسيجثو أحمد زويل على ركبة واحدة أمامى ويطلب الزواج منى .. سأقول له أننى ما زلت فى الخامسة عشر ..ولكن يبدو أنه لن يسمع ما قلته ..وسيخرج الدبلة من جيب بذلته .. ستشعر مديرتى فى إعدادى بالخجل منى ..لأنها عاملتنى بخشونة وازدراء فى الماضى .. وستعتذر وستطلب الصفح .. وسيتوسل إلىَّ سكان تنزانيا لكى أصبح رئيسة جمهوريتهم المتواضعة .. وسأعدهم أننى سأحاول أن أفرغ مكاناً لمطلبهم فى جدول أعمالى وحينها يمكننى أن أتنازل وأقبل .. سيحدث كللللللللل هذا عندما أذاكر ذلك الدرس !
مرت ساعتين وأنا محدقة فى نفس الصفحة لا أفعل شيئاً إلا التحديق والمزيد من التحديق .. ليس الأمر فى أن الدرس صعب .. الأمر كله متحور حول الحالة ..أذاكر بهذه الحالة ؟؟! 
لأ بجد لول يعنى ..
ظلت الصفحة طوال الساعتين أمام عينىَّ لم أقلبها ولم ألمسها..كانت مجرد مرآة لأفكارى وصراعاتى الداخلية.. مجرد خلفية .. موسيقى تصويرية -إن صح التعبير- ..ربما كنت أفكر فى خط توصيل الغاز للمنازل الذى خرب بيوت بائعى أنابيب الغاز وجعلهم يعملون فى أية وظيفة كانت حتى إذا عملوا كراقصين  !!
ربما كنت أفكر فى شعور الضفادع التى يجرون عليها التجارب فى كلية الطب ..كيف تشعر عندما يعبث الطلبة فى الأورطى الخاصة بها ؟..
ربما كنت أفكر فى أثر الفراشة .. الفراشة تهز جناحيها ..الهزة الواحدة تقوم بتغيرات فى اتجاه الرياح فتسبب إعصاراً أو موجة تسونامى جديدة ..
ربما كنت أفكر فى حالة (فرنسا) أثناء الحرب العالمية الثانية ..عندما كانتا (النازية) و (الفاشية) هما الكلمة والحكم النهائى فى أى أمر ..فى منظر الثوار الفرنسيين ..بدراجاتهم ورغيف الخبز (الفينو) العملاق الموضوع بعناية فى سلة الدراجة الخلفية ..لو كنت من الألمان ..لأمرت بالقبض على كل من يركب دراجة ويضع رغيف فينو فى السلة الخلفية ..
فى الحقيقة لم أكن أفكر فى أياً من هذا ..بل كنت أحدق فقط فى الصفحة..تفحصت عقلى فوجدته باللون الأبيض ..لا أفكار ..لا أفكار ..لا أفكار .. فقط صدى صوت عميييييق رخيم .. هشيم تذروه الرياح !
ثم فجأة حدث شرخ فى السد .. انهار السد .. واستيقظ الوحش الذى كان نائماً فى سبات يغط مكتشفاً أنه يملك طاقة وضع هائلة يجب أن يخرجها حتى لا يصاب بالكبت .. 
حدث شرخ فى السد ..انهار السد 
وانفجرت فى البكاء !!
لا جرم علىَّ .. لا بأس ببضعة دموع ..لا يا أميجو ..لن تغير تلك الدموع العالم ولن تضع مصر فى مقلاع يقذفها إلى أعلى الأعالى ..ولكن لا ضير منها ..لا بأس ..لن تضر أحداً ..!!
ماذا فعلت بعدها ؟؟ .
لم أفعل شيئاً .. 
ماذا حدث بعد ذلك ؟
ما صار شئ كتير ..
كل اللى صار وبعده بيصير .. الله كبير 
فقط فتحت رواية ..ورحت فى رحلة بين الصفحات اقرأ !!


يبدو تعساً .. ولكن ..كأن جزءاً منه يرقص طرباً بما فى الصفحات :)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق