الثلاثاء، 19 مارس 2013

من يدرى ؟؟.. الحلقة الأولى

"دو..رى..مى.. الأمر بسهولة حروف الأبجدية !!"
تنهدت غادة وبدأت دون دراية منها باستعمال يديها فى الحديث كعادة كل من تنطوى نفسه على خجل أو يفتقر إلى الذكاء الإجتماعى ،فقالت بينما تشيح بيديها :
"أنت لا تفهم .. ليت الأمر بهذه السهولة .. لا أدرى ولكن .. لطالما تمثلت لدى الموسيقى فى أنها أصوات تسببها الأصابع أو يُحدثها هواء الزفير فى الآلات الهوائية .. وجدتنى أنساب فقط مع النغمات وأحرك أصابعى على المفاتيح .. لم أتعلم حرفًا عن النوتة قبلًا .. حاولت والنتائج لم تكن واعدة .. لذا ... صرت على ما أنا عليه !!"
قلّب مصطفى يديه ومط شفتيه ثم قال بلهجة محايدة يحاول بها أن يقنعها أن ذلك شأنها ولها الحرية أن تفعل ما تشاء : 
"عازفة بدون نوتة ؟؟ .. حتى وقع الجملة على اللسان غريب .. دعينا من ذلك .. ماذا عن حفلة عيد الأم ؟؟ .. نحن بحاجة إلى عازفة بيانو ..وأخرى للجيتار .. فما رأيك فى تأدية الدورين ؟؟"
أمعنت النظر فى وجهه لثوان ثم قالت : 
"أعزف على الإثنين ؟؟ .. ليس ثمة مانع .. ولكنك على دراية بطباعى .. لن أحرك أصابعى بعقل فارغ بدون مبالاة بما سينتج عن حركات أصابعى تلك .. يجب ألا تكون اغانى مبتذلة أهلكها الزمن وقتلها الشعراء قتلًا ..أنت أدرى منى بتلك الأغانى من طراز : "يا حبيبتى ياما ..ضمينى ضمة" .. و "شلتينى ف بطنك 9 شهور .. وربتنيى وبقيت دكتور !! " "
    انطلقت ضحكات مصطفى تقطع فضاء حجرة الموسيقى بالمدرسة .. تلك هى عادته فى المبالغة فى تقدير الأمور .. لم تقل دعابة من دعابات (أساحبى) مثلًا تستحق عليها كل هذا التهليل ..انتظرت فى كياسة حتى ينتهى من ضحكاته الشبيهة بسعال الضفادع المصابة بسرطان البنكرياس .. أتبع ضحكاته بأشنع سعال يمكن أن تتخيله ،فهو صادر من حنجرة واحد من أساطين التدخين .. لم يكن مستر (مصطفى) -كما تناديه- بالرجل المهم فى حياة أى من معارفه .. وجهه من الوجوه التى تنتشلها من ذكرياتك بصعوبة شديدة ،هذا إذا لم تكن قد نسيت أمره منذ زمن أصلًا .. أعزب ..خرج للتو من قصة حب فاشلة انتهت عند عتبة الخطوبة .. ولم يتصاعد الأمر فتصل القصة لبدايات الدرج عند عتبة الزواج .. وتم فسخ الخطوبة برضا من الطرفين ..الفتاة تجده طموحًا أكثر من اللازم يشرد بعيدًا حين يلتقيا فتضطر لأن تنبهه إلى وجودها من دقيقة لأخرى .. وهو يراها تافهة  أكثر من اللازم .. تريد زوجًا يعود للمنزل فلا يفعل شيئًا باستثناء الحديث معها عن كل شاردة وواردة حدثت أثناء ساعات العمل ..فيحكى عن مختار الذى اتسخ قميصه بعصير البرتقال ولم يبال بتنظيفه ولم يكلف نفسه حتى بتجفيف القميص أو بمسح آثار البرتقال .. فترد هى عليه بشهقة انفعالية وتخبره كم أن مختار هذا شخص مفتقد للياقة .. كم أنه سيد غير مهذب .. تصرفاته تليق بشحاذ يسكن مكب النفايات المجاور لجامعة القاهرة .. وهكذا .... فيحكى عن بقعة القهوة على تنورة (فاتن)..وعن منديل (هالة) الذى أزالت به آثار طلاء الشفاة من على شفتيها..ويستمر الجحيم .. أدرك فى النهاية أن الأمر منتهى .. ليس من واجبه التعايش مع امرأة لم تحاول قبلًا أن تدلف إلى عالمه .. أو حتى أن تفهم رموز هذا العالم .. بالتأكيد سيتهافت عليها الشبان من أنحاء المعمورة حين ينتشر خبر فسخ الخطوبة ..وبالتأكيد ستجد هى واحدًا مناسبًا يعود من العمل فيحكى عن قميص مختار وعن تنورة فاتن وعن منديل هالة .. أينما كان هذا الـ (واحد) فهو ليس مصطفى بالتأكيد ..
أنهى مصطفى سيمفونية السعال المتصل أخيرًا ثم قال بشبه ابتسامة : 
"يمكننى إذن بقلب مستريح تكليفك بهذه المهمة !!"
زوت غادة ما بين حاجبيها وقالت كمن بوغت بأمر غير متوقع:
"أية مهمة ؟؟"
دوت ضحكته المجلجلة من جديد ..ولكنه سرعان ما تحكم فيها ثم قال :
"أتتمتعين بذاكرة سمكة أم ماذا ؟؟..بالتأكيد ليست مهمة لإنقاذ رئيس غينيا من الإغتيال ..سأدعك تختارين ما تشائين من الأغانى ..لتقومين بـ(لعبها) يوم الحفلة"
وكانت له طريقة غريبة فى الحديث .. فلا يقول (عزفها) أبدًا بل يقول (لعبها) ..تعودت غادة أسلوبه هذا وألفته.. فقالت بابتسامة راضية :
"حسن إذن .. المسؤولية الآن على عاتقى .. لن أخذلك "
ابتسم بدوره قبل أن يقول بنبرة متحدية :
"سنرى !!"