الثلاثاء، 5 مارس 2013

لو عايز تقرأ ..اقرأ .. الموضوع مابقاش فارق..والأقنعة مش موجودة خلاص!!..(بقية)

قد بدأنا منذ أيام شيئًا .. لذا علينا إنهائه .. وكما يقولون : "زى ما حضرت الروح ..اصرفها" ...
أيها القادم .. إنسيًا كنت أو جنًا ..
لو كان ده انتى يا نوران .. لو كان ده انت يا جيمى .. لو كان ده انتى يا منال .. لو كنت جمال ..لو كنتى ولاء..لو كنت سَنَد..لو كنت محمد إبراهيم ..لو كنت محمد إبراهيم برضه .. 
لو كنتى بنت معايا ف المدرسة ..لو كنت ولد معايا ف المدرسة .. من جديد أكرر : أمامك فرصة لإغلاق نافذة المدونة والمضىّ قدمًا فيما كنت تفعله قبل أن تجىء إلى هنا .. الرسالة ليست موجهة إلى فرد بعينه ..وليست شاملة عدة أفراد .. ولا يترامين إلى ذهنك أنها موجهة لك أنت -أيها القارئ من كنت - .. أنا فقط ....... أكتب !!
سمه تنفيسًا .. سمه بحثًا عن الذات /عن المطلق..كما تشاء ..لم تكن غايتى أبدًا البحث عن مسمى تندرج تحته تدويناتى ها هنا .. 
فلنصمت الآن ..ولندع الصمت يتحدث ..فهو يتفوه بالكثير ..واللغو فى الحديث لم يكن أبدًا من عاداته .. وكما يقول د.أحمد خالد توفيق : "الآن ... نرجوكم الصمت !!"
.........
فى ذهنى ذكرى معينة .. من طفولتى الغابرة .. أذكر حرارة الجو .. ويدى التى تتحرك أمام وجهى فى محاولة مستميتة لتخفيف الحرارة .. أذكر مشيى فى طرقات (كايرو مول) .. أذكر تذمر أخى الأصغر من طقس لم يرحم صغر سنه .. كان يتعلق بها .. يتشبث بمعطفها (الجينز) الطويل ..وأنا أمشى بجانبهما مشيًا حثيثًا .. قررت أن أقاوم .. أَقَلّه لأكون قدوة حسنة لأخى .. لكن الطبع يغلب التطبع .. وسرعان ما غلبت علىّ روحى الطفلة ..وبدأت فى مونولوج من التذمر .. يحلم بأدائه ثلاثى أضواء المسرح نفسه .. 
المهم ..وجدت -هى- نفسها تنساق وراء رغباتنا الطفولية .. كنت طفلة فى السادسة .. كانت تعرف ما أريد .. تعرف ما أحب .. لذا دلفت إلى ذلك المتجر ونحن فى ذيولها .. متجر هدايا أذكر اسمه حتى الآن : (آخر العنقود) .. واختارت كشكولًا ذا لون كحلى داكن وعليه رسمة لفتاة صغيرة لها رأس أكبر من جسدها بمراحل ..  وكأنها ليمونة وقد ثبتوها على خلة أسنان .. ولكنها كانت جميلة والحق يقال ..على وجهها مسحة من حزن غير مفتعل .. ابتاعته ودفعت ثمنه وأهدته لى قائلة :
"عشان تكتبى قصص فيه "
أخذته فرحة وأنسانى ذلك التذمر لبعض الوقت .. عامل إلهائى فعّال جدًا .. وانتأيت بنفسى تاركةً أخى غارقًا فى بحار من التذمر .. وتاركةً إياها تغرق معه فى بحاره .. ورحت فى تفحص الكشكول .. كم هو لامع غلافه .. سأحافظ عليه .. كم من قصص سأكتبها هنا ..
عدت للدار ..ناديت قلمى.. وانتحيت به جانبًا..وملأت الصفحات كلامًا..قصصًا كانت أو أحاديث أطفال..المهم أن أجهز على بياض الصفحات وأحيله زرقةً بقلمى الجاف الصغير .. كنت قد بدأت فى استعمال القلم الجاف منذ فترة وجيزة قبلها كان اعتمادى بالكامل على الرصاص .. 
جالسةً فى الظلام وحدى .. الضوء يأتينى من الخارج من غرفة أبى .. هى ليست هنا .. شقيقتى فى مكان ما .. أخى ينام تحت كرسى ما أو أريكة فى مكان ما ..إنها عادة لن ينجح أبدًا فى الإقلاع عنها .. أكتب عن نكات مجلة (ماجد) .. أكتب عن بطوط وقبعته الغريبة ذات القدرات الخارقة .. التى تتقافز فوق رأسه حين يقفز من الطائرة بالبراشوط .. ولكنه -رغم ذلك- يظل محتفظًا بها وكأنها فوق القانون ..
لم أتوقف إلا حين شاهدت بنفسى الصفحة الأخيرة تمتلأ حروفًا زرقاء .. 
"ممكن كشكول تانى "
هذه المرة أحضرت لى (نوتة) .. أذكرها جيدًا .. نوتة عليها صورة (وينى ذا بوه) .. ومثلما كان (كريم عبد العزيز) فتى أحلام كل بنت فى ذلك الوقت .. فقد كان (وينى ذا بوه) رفيق أحلام كل طفل تقريبًا .. حتى أكون صريحة لم أكن مهتمة كثيرًا بـهذا الوينى ..ولكنه بدا لى لطيفًا .. كيوت ممكن ..
..
فوق جلد السيارة الـ(28) جلست .. يومًا ما سيعلن الموتور تمرده وعن رغبته فى إحالة نفسه إلى المعاش .. فقد فاض به وبلغ أرذل العمر .. متى كان هذا اليوم فهو ليس اليوم بالتأكيد .. أخى يصدر أصواتًا بفمه .. فى يده طائرة حربية بلاستيكية .. يحركها فى الهواء مصدرًا تلك الأصوات الغريبة .. كان غارقًا بالكامل فى عالمه الخاص .. ربما كان فى معركة (بيرل هاربر) الآن .. ربما كان يساعد موسولينى للسفر من إيطاليا قبل أن يسبق السيف العذل .. ربما كان طيارًا فى طائرة تحمل رمز صليب مالطة ..
ربما كادت محارق اليهود أن تبتلعه فخرج منها بوجه نصف محترق وراح يجول به مترنحًا فى الطرقات ..
ربما ....
هنا أخبرتنى :
"ممكن تدينى النوتة اللى معاكى ..وأنا هاديكى كشكول كبير زى اللى جبتهولك أول مرة .. "
تريدنى أن أتخلى عنك يا وينى .. روحى الطفلة أخبرتنى أن أرفض ..أن أصرخ وأضرب الأرض بقدمىّ .. 
"لأ .. أنا عايزة النوتة"
"استنى بس .. أنا محتاجة حاجة صغيرة زى النوتة ..هاكتب فيها الحسابات والطلبات .. انتى محتاجة حاجة كبيرة زى الكشكول عشان تكتبى قصصك وتاخدى راحتك وانتى بتكتبى "
ولكنى لم أرضخ .. أشعرتنى النوتة أننى أمتلك شيئًا ما .. وعلىّ الإستماتة فى سبيل الحفاظ عليه .. شعرت بـ (وينى) ينظر إلىّ ..نظراته المتوسلة تخترق عينىّ وتستجدينى حتى لا أتركه ..
راحت تتحايل علىّ بأساليب عدة .. وتذرعت أنا بأحاسيس الخرتيت ..ورفضت رفضًا باتًا قاطعًا .. حتى يأست منى تمامًا ..
"آه يا إيمان .. قلتلها تدينى النوتة وتاخد الكشكول ...مارضيتش"
"سيبيها سيبيها .. هاتعمل ايه هى بالنوتة دى .. مش أحسن لها تاخد كشكول يعنى .. عيلة صغيرة هانعمل ايه !!"
..
القصة الصغيرة السابقة حُفرت فى ذاكرتى حفر الفراعين لقواعد الأهرام الثلاثة ..بللت وسادتى بالدموع مرات لا حصر لها بسبب هذه الذكرى الطفولية البائدة ..
حتى بعدها بعامين رحت أسترجعها ..وأفكر ..
إنها تعطينى الكثير ..لماذا لم أهدها شيئًا سخيفًا كهذه النوتة ..التى لم أملأها إلا بسخافات الطفولة ..ومزقت منها أوراقًا كتبت فيها نصائح لإبن عمى الذى يكبرنى بعامين .. تساعده ليصير مهذبًا ذا مبادئ ..
فلماذا لم أعطها إياها ..
بعدها بعامين حين بلغت عامى الثامن .. اقتربت منها وسألتها :
"فاكرة من سنتين ..جبتيلى نوتة وجبتى لنفسك كشكول ..وطلبتى منى نبدل مع بعض ..وأنا مارضتش "
جالت بعينيها فى أرجاء الحجرة .. وضمت شفتيها فيما يشبه حرف الـ (O) .. وبدا أنها تستخرج الذكرى من تحت الأنقاض .. 
قالت بعد دقائق :
"ياااااااه ؟؟ انتى بتفتكرى حاجات غريبة أوى "
هنا انفجرت منى الكلمات خارجة خروج الرصاص من مدفع المترليوز :
"طب ليه مأخدتيهاش من ورايا  ؟؟ .. طب ينفع نروح كايرومول وأشتريلك واحدة من هناك ؟؟ ..هايبقى مرسوم عليها "وينى" برضه .. ينفع ؟؟ .. هاشتريلك واحدة زيها بالظبط .. و...."
قاطعت شلال الكلمات الذى اندفع منى بلا تحكم بغتةً بأن قالت :
"ايه الهبل ده .. مش مهم .. أنا لسة باستخدم النوتة لحد دلوقتى ..لما اخلصها هابقى أقوللك !!"
لم يكن ذلك كافيًا بالمرة لإرضاء ضميرى الذى راح يعذبنى ويلقى على كاهلى بالأحمال الثقيلة .. لا قبل لى بحملها ..لكن الضمير لا يفرق فى الفئات العمرية للأسف ..
كنت فى الثامنة من عمرى فحسب ..وكنت أحمل روحًا عجوزًا قتلتها السنين وأدمتها التجارب .. 
ومن أين لى أن أفهم أنه ثمة أمور لا ينبغى أن تُوَلّى ذلك القدر من الإهتمام ؟؟ .. كنت أملك خزائن من الإهتمام أحاول قدرما استطعت أن أغدق بها .. وبالمثل امتلكت خزائن من الشعور بالذنب ، فإذا زاد منسوب خزائن الإهتمام زاد الشعور الذنب .. يخبرنى ضميرى أنه ثمة تقصير فى إهداء الإهتمام ..
وبالتالى .. أنت أدرى منى بالنتيجة ..
أيام من البكاء على الوسادة والإكتئاب المزمن .. 
الحيرة التى انتابتها ..والتساؤلات التى راحت تجوس بعقلها عما دهانى .. طفلة فى الثامنة تعانى من خواطر كهل فى الخمسين ..
..لن تلبث تلك الذكرى تطرق الأبواب ،لا يعرف إليها الملل سبيلًا ..
لم أر قط سجينًا لا يدرى أنه كذلك ..حتى فتشت فى دهاليز نفسى ..
الغريب فى الأمر أننى نسيت ماذا كانت جنايتى !!  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق