الخميس، 6 يونيو 2013

من يدرى ؟؟.. الحلقة الثانية



أبو دُميانة .. (فرّاش) المدرسة .. يجلس أمام حجرة الموسيقى يرتشف من الشاى الثقيل حتى يكاد دمه يقل كثافة ليصير شايًا ..هو رجل يرتشف الشاى بخلايه بالفعل .. وتتشربه حواسه وأعضاؤه حتى النخاع .. من الغريب على أسماعنا جميعًا أن يكون الفرّاش أبو (شخص ما ) وليس عم (اسم ما) .. لا أدرى ..دعنى أروى ولا تُفسد علىّ متعة البوح من فضلك .. 
ليس الحديث من هواياته .. فى الحقيقة لم يسمعه شخص يتحدث قبلًا ولم تدخل اهتزازات أحباله الصوتيه إلى أذن كائن من كان من أفراد المدرسة .. حتى حسبوه لفترة أصمًا أو أبكم ..ثم زال الاعتقاد حين كان يجول هائمًا كشبح أبى (هاملت) فى الحوش الواسع المُستخدم كـ(جاراج) لحافلات المدرسة .. وسأل سائق إحداها عن آذان الظهر ..أأذن به أم لا .. حينها فهم الجميع أنه ما من عقدة بلسانه .. وما من غبار على أحباله الصوتية ..إنما هو رجل قليل الكلام -إن لم يكن معدومه-  لا أكثر، وجل ما يريده هو أن يُترك وشأنه وليس هذا بالمطلب الكبير ..فاعطوا الرجل العجوز ما يريد فهو زاهد كل الزهد فيما تعتبرونه أنتم زادكم وملاذكم اليومى :الكلام !! 
وعلى أساس المعطيات السابقة ..فإن أحدًا لم يسمع حرفًا عن (دُميانة) هذه التى من المفترض أن يكون أباها ..  
أما عن صاحبتنا (غادة) .. فإن أبعد ما بلغته فى سباق التعامل مع هذا الرجل هو ابتسامة وهزة رأس .. وفى هذا فقد سبقت زميلها فى السباق (مصطفى) الذى كان يتحاشاه غالبًا أو يسير سيرًا هو للعدو أقرب من أمامه ..مغالبًا شعوره بالإنقباض تجاه الرجل .. العجوز أشبه بشبح ذى وجود مادى يرتشف الشاى الثقيل ويجر فى ذيوله خيوطًا من الإكتوبلازم أو أى مادة تخلّفها تجسدات الأرواح ..
واليوم ، خرجت غادة من الحجرة موجهة بصرها صوب الأرض وكأن عيناها مثقابى ليزر ينقبان عن البترول بالأسفل .. وحين رفعت بصرها  كان هناك .. الشاى الملازم له ككلب وفىّ بين يديه كالعادة .. قررت أن تلتزم بما تعودت عليه .. أومأت برأسها وابتسمت فى تفهم وكأنها تخبره أنه لا بأس لو كان انطوائيًا بعض الشىء ..لا بأس لو أن قلبه لا يتحدث .. لا بأس لو أنه يفضل أحاديث روح الكون عن أرواحهم .. خطت بقدميها على الدرج المؤدى للحوش الصغير الملونة أرضيته بألوان أقرب ما توصف به هو أنها تساهم بشكل ما فى التلوث البصرى ..
سارت ببطء للدرج الذى ستصعده وصولًا إلى طابق الثانوى .. وعلى الحائط بجانب الدرج بعض اللوحات السخيفة ..نسخة مشوهة من الصفحة الخلفية لرواية أوليفر تويست ..التى تحتوى على تلخيصها .. وقد نسخها أحدهم -طالب ما- عند الخطاط على لوح خشبى .. مخرجًا من محفظته النقود المطلوبة عن طيب خاطر وكأنه يقدم خدمة للعالم بتضحيته الثمينة هذه .. وكأن العالم سيظل ممتنًا وسيذكر رؤساء الأقسام فى المدرسة اسمه كلما صعدوا الدرج وقرأوا اللوحة .. وستهتز مئات الرؤوس يمنة ويسرة تأثرًا بالأيام الخوالى التى لن تعود .. الأيام التى كان التلاميذ فيها تلاميذ حقًا ..على اعتبار أن تلاميذ اليوم بائعى بطاطا ينظفون السناج المتجمع على عرباتهم يوميًا !!
 مشت مشيًا حثيثًا ..رأسًا نحو الفصل .. 
طرقة .. طرقتين على الباب الخشبى ذى المقبض المتهالك حيث (رزعه) أحدهم فى ساعة غضب ..
ثم تفتح الباب ..
"أين كنتِ يا فتاة؟؟"
مستر (خالد) .. فى الثلاثينات ..فاحم الشعر ..متهدلة خصلاته ..يصفف شعره مجمعًا الخصلات إلى الخلف ومستعينًا فى ذلك بمثبت الشعر العتيد للتغلب على قوة الجاذبية التى غالبًا ما يكون لها الغلبة فى التحكم فى خصلاته .. لطالما أصابها أسلوبه بالدوار .. أيهزأ منها لما يُعرف عنها من ثقافة وما يشاع عنها من نضج مبكر .. أم أنه ......
حسنًا ..فلنقل أنه يبغى سبر أغوارها ودعونا من سوء الظن الذى هو وخيمة عواقبه ومستطيرة شروره فى كل موقف ..
أقول لكم .. دعوا هذا الموضوع جانبًا .. ولنصنع قائمة من الأمور التى علينا التحدث عنها بإسهاب فيما بعد .. ولنتحلى ببعض من نظام 
قائمتنا : 
1- خبايا مستر خالد !!
ولنعد إلى السياق ..
"حجرة الموسيقى .. بيانو .. تدريب .. حفلة .. "
هكذا اعتادت .. هكذا ألفت .وبهذا هى ملزمة ..شعارها:الإقتضاب.. ومن أحد هى ليست ملزمة ..وإذا اعتبرناها -غادة- ككينونة (أحدًا) فهى ملزمة من أحد ..ألا وهو نفسها (كينونتها)..
ولو أنها كانت عضوة فى أحد المواقع الإجتماعية ..لكتبت فى واحدة من المرات (الإستايتس) خاصتها على هذه الصورة :
"حصة مستر خالد"
:Feeling
"فتاة فى موعد مع فتاها ..وتخشى عثرة فى الحديث أو ذلة غير مقصودة !! "
مستر خالد.. الوسيم .. تتهامس المشرفات فور مروره أمامهن ..وتفخر الواحدة منهن أن (طرحتها) قد تطايرت أطرافها على أثر (النسيم) المعطر الذى يخلفه كلما مرّ ..
ويشق على امرأة ألا تصاب بالبله المغولى إذا ما رماها بنظرة غير مقصودة فى خضم النظرات الملقاة على الفراغ..
وعليك أن تتمتع بنظرة ثاقبة أو شعاع من أشعة (سوبر مان) التى تخترق الحوائط لتخترق بها القلوب .. فستحتاجها حين تود أن تبحث عن تلك الطالبة التى لا تكنّ (شيئًا ما) مشاعر -دفينة أو طليقة على غير استحياء- لذلك الكائن مليح التكوين ..
وحتى الآن لا تدرك .. أعليها أن تتيه فخرًا بما يغدق عليها من اهتمام خاص خصّها به دون الأخريات .. وأن تضع مادة (الشماتة) فى أحاديثها لتشعر الأخريات بأنها المختارة .. ليست أنتِ ولا أنتِ .بل أنا ..اختارنى أنا ..
 منذ البداية وأنا أستغلق على شخصية غادة وكأنى أغلفها من شىء شرير ما فى العالم الخارجى .. أجمع خيوطها بين يدىّ وكأنها قطرات ماء فى صحراء أخشى تبددها على الرمال ..
ولكنك تفهم بالتأكيد أن تلك الفتاة غريبة من حيث نسيج الروح .. لا تسلنى من فضلك عن مغزى ما أتفوه به .. فقط أكتب فى القائمة ..
قائمتنا :
1- خبايا مستر (خالد)
2- روح غادة ذات النسيج الـ (صفة ما)
..
لعلك تدرك أن الأمر أتفه من أن تحاول -هى- البتّ فى شأنه .. أو حتى تكبد عناء التحدث فيه ..
وإليك بحلقة تأخذ محل الحُلى بأذنك طوال مدة قراءتك لهاته المذكرات .. 
غادة ذات (كيمياء) خاصة ..

هناك تعليقان (2):