حينما قالت لى حنان
أن أذهب لمنزلها لمراجعة الرياضيات – مع مدرسٍ ما مجهول الهويه - ..لم أكن
أعرف أننى بصدد أخذ خطوه مصيريه جداً فى حياتى !!
حينما خرجت من باب منزلى بعدما أخذت النقود من أمى دامعة العينين من تقشير البصل .. ومشيت بخطوات متثاقله كجواد جريح إلى بيت حنان ..لم أكن أعرف أن هناك – فى منزلها – أكثر من مجرد معادلات جبريه مطلسمه ..لا تستطيع أبداً معرفة نهايتها كملحمة جلجاميش !!
فتحت لى حنان الباب .. والتقت عينانا .. ففهمت على الفور ما تبغى قوله
"اتأخرتى ليه يا عبير بس ؟؟! ..المستر هنا من ربع ساعه تقريباً !!"
قالتها هامسه .. فقلت هامسه أيضاً : " آسفه يا حنان .. هاتدخلينى ولا ايه ؟؟!"
تنحت حنان لتفسح لى المكان لأدخل
فى البدايه .. لم أتبين ما هنالك .. ظننت أن ما أراه أمامى هو قطعة من السكر أو البسكويت الحلو وحولها جيش جرار من النمل متباين الأشكال والألوان .. ولكن عندما دققت النظر فى المشهد .. اكتشفت أن قطعة السكر لم تكن إلا منضدة الطعام –السُفره- المسكينه المتهالكه ذات الخشب النخر .. وأن جيش النمل الجرار متباين الأشكال والألوان هذا لم يكن إلا مجموعه من الطلبه –فتيان وفتيات- يمدون رؤوسهم كأى سلحفاة تحترم نفسها .. ليرهفوا أسماعهم لما يقوله حكيم الحكماء –المدرس مجهول الهويه- !!
أبدت حنان شهامه حقيقيه عندما أحضرت لى كرسياً من مكان ما – المكان الذى يحضرون منه الكراسى على ما يبدو .. أياً كان هذا المكان - .. وبمعجزةٍ ما استطاعت حنان العزيزه أن تجد لى مكاناً وسط صفوف النمل لكى أجلس وأستمع لما يقوله حكيم الزمان !!
"الموضوع مش موضوع مذاكره .. الموضوع موضوع ذكاء .. هنا –قالها وهو يشير إلى رأسه- مفيش طبق كبده بالسلطه .. إنما فى مخ !! "
يقولها حكيم الزمان .. فتصدر شهقات الإعجاب وعدم التصديق من صفوف النمل .. حتى أننى توقعت أن يصرخ أحدهم فى إعجاب وهو يضرب الأرض بقدميه ويقول بعينين متسعتين كما كانوا يفعلون فى حفلات أم كلثوم : " يا سلااااااااااام .. أعِد .. أعِد !! "
نظرت إلى الوجوه المنتشره بكثره من حولى كأشجار غابة سافانا كثيفه ...
وجوه ناعمه رقيقه ذات شعر سائح وعطر فائح .. تلف حول اجسادها الفساتين والبلوزات الناعمه ...
ووجوه خشنه ذات شوارب نصف ناميه .. وأصوات تتحسس طريقها فى ممر الرجوله الطويل مستعينة بشمعة البلوغ .
لا شئ يميز أى شخص ها هنا ...
كلهن فتيات تافهات كل واحدة منهن مدة تركيزها تساوى مدة تركيز سنجاب أو تقل عن ذلك ممكن .. كل واحدة منهن مستقبلها معروف لها ومحدد والجميع يعرفه .. غالباً لن يدخلن الجامعه .. ستتزوج كل واحدة منهن – زواج صالونات طبعاً - .. وتجلس فى بيتها تُعد المحشى فى سعادة ورضا غريب عن الحياه ..
وكلهم فتيان يحاولون ألا يبدوا اهتمامهم بهذه الفتاة أو تلك .. وهذا كافٍ جداً لجعل مظهرهم فضيحه وأمرهم واضح ومكشوف ..
هم أيضاً يعرف كل واحد فيهم إلام سينتهى به الأمر ..
!! إما كزوج لزوجه لا يعرف عنها أكثر من إسمها وإسم أبويها .. وإما كسائق تكتك
كان كل هذا .. هذا الجو المقبض المتضارب .. يبعث رعشة ما فى أوصالى ..ويضفى طابعاً غريباً – ومحبباً – على الذكرى التى ستتكون فى عقلى عن هذه اللحظات ..
"لازم الواحد يعرف ازاى يحل معادلات المقادير الجبريه .. أصل الموضوع مش موضوع حفظ وحَط .. لازم تفهم المعادلات يا ابنى منك ليها !! "
فترتفع صيحات الإستحسان والإعجاب .. يبدو أن معادلات المقادير الجبريه هذه لها تأثير كالسحر فعال فى نفوسهم !!
كان هذا قبل أن يدخل هو ...
ارتفع صوت جرس الباب .. فنظرت حنان فى استعطاف للحكيم . فعفا عنها الحكيم العظيم الرحيم .. وسمح لها بعشر ثوانٍ تفتح فيها الباب ..
فتحت حنان الباب فأصدر صريراً يقشعر الأبدان .. فصدرت عن صفوف النمل أصوات تنم عن الضيق من صوت الصرير المزعج ..
ولكنى لم انتبه اصلاً لذلك الصوت .. بل كان ذلك الصوت مجرد خلفيه للأفكار التى دارب فى عقلى حينها
لم أنتبه له .لأن من الباب دخل مخلوق جدير حقاً بالوصف ..
خطا إلى الداخل بشعره الثائر حول رأسه .. وعيناه البنيتان العسليتان .. والزغب القليل جداً فوق شفته .. وملابسه التى تحمل طابع (البهدله) المحبب .. وكأنه خارج للتو من مشاجره اشترك فيها كل فتوات الحاره مثلاً ..دارت عيناه فى المكان .. وللحظه شعرت بأنه يفكر في نفس ما فكرت فيه عندما دخلت إلى هنا .. النمل وقطعة السكر .!!
أحضرت له حنان كرسياً .. فشَق طريقه بشجاعة منقطعة النظير وسط صفوف النمل ووجد لنفسه مكاناً بالكاد يكفى للكرسى .. وجلس وعلى وجهه امارات اللامبالاه أو الإستهتار.. ولكنه استهتار محبب .. يضفى عليه طابعاً خاصاً ..
ثم أنه أخذ يجول بعينيه يتفرس فى الوجوه .. وبدا لى أنه يفكر فيما فكربت فيه تماماً عندما نظرت إلى تلك السحنات الكالحه المتناثره من حولنا ..ثم أنه توقف عند وجهى ...
ارتبكت ولم أعرف حقاً ما علىَّ فعله ..للحظة ..التقت عينانا ..فابتسمت فى تكلف .. فابتسم ..وكانت ابتسامته مميزه ..فقد كان يبتسم بزاوية فمه اليسرى ..
لم أطل النظر إليه .. ولكننى للحظات شعرت أنه يرمقنى ..ينظر إلىَّ –نظرات من تحت لتحت كده - .. وحينما كنت افاجأه وأنظر إليه فجأة وأجده ينظر إلىَّ .. كنت أبتسم أحياناً أو أبعد عينىَّ وكأن عينانا لم تلتق وكأن شيئاً لم يكن !!
كان الوقت يجرى بطيئاً كسلحفاة اشتركت فى ماراثون ..ولكنه رغم هذا مر وانقضى ..وحاء الوقت الذى قرر فيه حكيم الزمان أن يغلق شدقيه الناطقين بالحكم الأبديه .. وأن يتركنا فى حال سبيلنا - بعد ان لهف من كل واحد أربعين جنيه كده - ..وقفت صفوف النمل فى وقت واحد .. وأخذ كل واحد يجمع أوراقه وأشياءه المتناثره ..
وجدته ينظر إلىَّ .. فانهمكن بشده فى جمع أشيائى ..ولكنه اتجه نحوى وقال : "أى مساعده ؟؟ "
قالها وهو ينظر إلى كتبى وأشيائى المتناثره والتى تحتاج إلى ثمانى أذرع على الأقل لانتشالها وجمعها
"مفيش داعى ، هاتدبر أمرى يعنى "
قلتها أنا فى ارتباك واضح .. شكت لثوانٍ ثم قال
"أنا أحمد .. أحمد على "
هل يبغى التعرف علىَّ؟؟ .. هل يريد اتباع سياسة (المصاحبه) اللعينه معى ؟؟ ..أنا لا أريد هذا .. ولا أمقت شيئاً فى العالم قدر ما أمقت هذا
"عبير .. عبير عبد الرحمن "
وجدتنى أقولها رغماً عن الافكار التى دارت فى عقلى آنذاك
الغريب أنه ضحك وقال
"عبير عبد الرحمن ؟؟ .. ده اسم بطلة سلسلة فانتازيا .. فانتازيا دى سلسلة بتـ ... "
"أيوه أيوه .. عارفاها طبعاً .. انت بتقرأ الحاجات دى ؟؟ "
ضحك مجدداً وقال
"أنا بانام عليها !! "
غريب هذا .. للمرة الأولى أقابل فتى يقرأ .. بل ويقرأ فانتازيا ايضاً وليس مجلة ميكى
فى النهاية ..وجدتنى أخرج من باب شقة حنان معه .. أعرف أن ما أفعله ليس الصواب بالمره .. هذا ليس من شيمى ولا من أخلاقى .. ثم أنه لو أن أحداً من معارفى رآنى الآن لانتهى أمرى على الفور .. لو أن أحداً من عائلة أبى المتوفى بالذات رآنى .. سينتهزون هذا فرصةً ليأخذوننى من أمى التى سيتهمونها أمام المحكمه بافتقاد المسئوليه
ولكن –وهذا هو الغريب- كنت أشعر بارتياح .. وكأننى وجدت المكان الصحيح لى .. مشينا معاً وسط الحارات الحالكة ووسط الأطفال الذين يلعبون بكرة شراب فى سعادة غريبه ومثيرة للريبه
تكلمت انا فقلت
"أنا .. مش عارفه، بس .. انا ماليش ف المواضيع دى !! "
نظر إلىَّ فى حيره
"أى مواضيع ؟؟ "
فقلت فى قنوط
"المصاحبه .. بوى فريبند ، جيرل فريند .. أنا ماليش فى المواضيع دى خالص .. ودايما بابعد عن المواضيع دى على أد ما أقدر "
هز رأسه وكأنه يبعد فكرةً ما عن عقله وقال
"لا لا .. أنا ماليش فى الحاجات دى خالص يا .. يا عبير .. وكمان لو كنتى فاكرانى صايع بقى وغرقان ف الحشيش وبادخن زى محرقة الجثث فـأنا مش ... "
"بادخن زى محرقة الجثث ؟؟ .. التشبيه ده بتاع .. بتاع رفعت اسماعيل .. رفعت اسماعيل ده شخصيه خياليه .. بطل سلسلة ..."
"ما وراء الطبيعه .. عارف "
"وكمان بتقرأ ما وراء الطبيعه ؟؟ "
اومأ برأسه أن نعم
"انت .. انت أول ولد أعرفه ف حياتى ومايكونش ... "
"مايكونش ايه ؟؟ "
"مايكونش .. تافه "
مط شفتيه وقال
"وانتى أول بنت أشوفها ف حياتى وماتبقاش منغمسه ف الموضه "
"وانت عرفت منين انى مش منغمسه ف الموضه ؟؟ .. لبسى باين عليه كده ولا ايه ؟؟ "
"لا لا لا .. انتى لبسك تمام .. بس باين إنك .. يعنى .. ناضجه "
ضحكت للكلمة الأخيره .. ناضجه .. أين أنا من النضج ..
ثم ما هو االمقياس الحقيقى للنضج الحقيقى الذى يمكننى قياس مقدار نضجى عليه ؟؟ ..
!! أنا مجرد طفلة يا فتى
الغريب أننى وجدتنى اسأله عن حياته
"احكيلى عن حياتك "
مط شفتيه مجدداً وقال فى امتعاض
"مفيش طتير ف حياتى "
سكت لثوانٍ وكأنه يتأمل ثم تابع
"بلاش نتكلم عن حياتنا . الحاجات من بعيد بيبقى شكلها أحلى وأجمل .. لما بتقربى منها بتكتشفى الجزء الوحش فيها "
يااااه .. يتحدث مثله تماماً ..رفعت إسماعيل
"قصدك ان تفاصيل حياتك مخجله مثلاً ؟؟ "
"لا لا ... بس .. الوضع هايبقى أحلى كده .. صدقينى "
(هايبقى أحلى) تشير إلى المستقبل .. هل يعنى ذلك أنه جاد وينوى أن يصنع قصة حب المراهقة الخاصه به معى ؟؟
ولكن الغريب أننى لم أعترض .. بل أومأت برأسى وابتسمت ..
ثم افترقنا وقال أنه سيرانى المرة القادمه .. ولم أعترض .. بل وافقت على الفور
ماذا دهانى ؟؟
عندما عدت للمنزل أدركت فى رعب أننى ..
!! أننى أحبه
هل تصنع قصص الحب بهذه السهوله ؟؟ بهذه البساطه ؟؟
أحسست بإعصار من المشاعر المتناقضة بداخلى .. أولاً الكبرياء .. أنا .. عبير عبد الرحمن .. واقعة فى الحب من النظرة الأولى مع فتى لا أعرف عنه شيئاً إلا اسمه .. وقعت فى الحب بتلك الطريقة المباغتة المفاجئه ..
أنا عبير عبد الرحمن .. كنت دوماً سيدة قرارى ..
هل حقاً أحبه ؟؟
بيد أن كل هذه الأفكار ذهبت أدراج الرياح ..بهذه البساطه .. وحل محلها شعور طاغٍ غريب بالسعاده التى شعرت بها تسرى فى أعماقى وتجرى فى دمائى مجرى الدم ..
ووجدتنى أذهب إلى بيت حنان مرة أخرى فى نفس الميعاد ..وكان هو هناك .بملابسه (المبهدله) ونظرة الاستهتار فى عينيه وعلى وجهه .. أشعر وكأنه ينتمى بشكل ما للعالم الذى أنتمى أنا إليه وجئت منه ..بعيداً عن الماديه .. بعيداً عن قواعد عالمنا السخيفه التى تقتل الخيال قتلاً ..
تلك المسحة الجميله من الشفافيه على وجهه .. وكأن ملامحه تصرخ قائلة
"هأنذا أيها العالم .. أبتعد عن ماديتك اللعينه .. فلترنى ما لديك أيها العالم .. أو لتفسح لى المجال !! "
كان اسمه أحمد على .. وكنت واقعة فى حبه .. واقعة فى حبه تماماً
انتهى الدرس ..فخرجنا سوياً من بيت حنان ..ومشينا معاً مرة أخرى فى الطرقات .. هو لا يعلم أين سنذهب .. أنا لا أعلم أين سنذهب .. ولكننا بالرغم من هذا كنا نمشى وكفى
مررنا بجانب كشك لبيع الزهور .. فوجدته يخرج نقوداً من جيبه ويشترى الكثير من الورود الصفراء ..ويعود بها إلىَّ
"صفرا ؟؟ .. انت كده بتخرق القواعد .. كل الورد فى قصص الحب بيبقى أحمر "
"وليه نلتزم بالقواعد ؟؟ .. الأحسن أننا نرتجل ونتصرف بنفسنا "
لا أعرف متى ولا كيف وجدنا نفسينا نمشى بجانب النيل .. الكورنيش
المكان الأبدى للعشاق .. حتى اصطلحوا على تسميته بـ (ملتقى العشاق) ..
احنا كده بننفذ نفس خطوات قصص الحب بالظبط .. ورد .. كورنيش .. ناقص بقى الذرة والترمس "
"آه .. كنت هانسى "
ووجدته يجرى نحو بائع الذره ويشترى كوزين .. ويعرج على بائع الترمس ويشترى كيسين
كان بائع الذره ينظر إلينا ويرمقنا فى فهم – أم فى خبث ؟؟- .. وبجانبه كان المذياع القديم يخرج منه صوت أم كلثوم الشجى تغنى (انت عمرى)
فمد البائع يده المعروقة إلى المذياع ورفع الصوت وهو ينظر إلينا نظرة معينه بما معنى : "أى خدمه .. مفي داعى للشكر .. ذرة وأم كلثوم ومفيش أحلى من كده .. استمتعوا !! "
كان أحمد ينظر للبائع الذى كان يحدجنا بدوره بنظراته .. ويبدو أن أحمد قد فهم مغزى نظراته أيضاً .. بيَد أنه رفع عينيه عن البائع فجأة ونظر إلىَّ .. ثم انطلق يضحك ..فضحكت أنا ايضاً .. الإشاره انطلقت من عقله إلى عقلى والعكس .. فكرنا فى نفس الشئ فى نفس الوقت .. الموقف ليس مضحكاً لهذه الدرجه .. فكل بائعى الذره هكذا .. ولكن نظرات بائع الذره مع هواء النيل ورائحة السمك مع مذاق الترمس المالح مع رائحة الذره المشويه مع الشعور بأن هناك شخص معك يعرف تماماً فيما تفكر ..كل هذا جعلنا نضحك بشده
ضحكنا كثيراً حتى أدمعت عينانا .. ثم استكملنا المشى .. كان هو ما زال يحمل ذلك الورد الأصفر .. يضعه بين طيات سترته .. فوجدته يضع كوز الذره وكيس الترمس جانباً على السور .. ويُخرج الورد ويعطينى بعضاً منه .. ثم مشى أمامى يوزع الورد على الناس !!
فى موقفٍ كهذا .. كانت أى فتاة ستصرخ فى وجهه تتهمه بالجنون وبأنه (غير روش) وأنه مثال عظيم للشاب (السيس) وأنه لا يجيد فن الرومانسيه –ذلك الفن السخيف الذى ليست له مقاييس محدده - ..ولكنى لم أشعر لحظة بتلك الأفكار تجول فى خاطرى البته .. بل وجدتنى أمسك الورد الذى أعطانيه وأشاركه ما يفعله ..
وردة لبائع الذره –الذى يفهم هذه الأمور- .. وورده لبائع الترمس .. وردتين لهذين العاشقين الذين يغترفان من عبق النيل .. وورده لبائعة المناديل العجوز
هكذا ..وبعد عشر دقائق ..أصبحت أذرعنا خالية من الورود .إلا من وردتين .. واحدة معه .. وواحدة معى
"الورد ده ريحته غريبه !! "
قالها وهو يضع الورده بالقرب من أنفه
شممت الورده فكانت لها رائحة غريبه ..كرائحة أعشاش العصافير ممكن .. أو كرائحة القطران حتى !!
"مش كل الورد ريحته حلوه "
"غريب .. وانا صغير .. كنت فاكر كل الورد ريحته أجمل ريحه فى الوجود .. وان ريحة عباد الشمس زى ريحة البرفان !!"
ضحكت ثم قلت : " مش مهم الريحه ..الورد عاجبنى "
"بس لو كانوا بيبيعوا ريحان ..كان هايبقى أحسن وأحلى "
"بتحب الريحان ؟؟"
"جداً "
سكت قليلاً وكأنه يفكر فى شئ ما .. ثم قال
"الريحان مش بيمتاز بشكل الورد .. بس ليه أجمل ريحه .. بالنسبه للورد فالعكس الصحيح "
قلت أنا معترضه : "بس مش كل الورد مالهوش ريحه .. التيوليب ..السوسن ..الورد الأحمر..كل دول ليهم ريحه جميله جداً "
"عشان كده كل الناس بتشتريهم .. ده ورد محظوظ جداً .. عنده ريحه وعنده شكل ..بس ايه ذنب الورد اللى مالهوش ريحه أو الريحان اللى مالهوش شكل ؟؟ "
ثم أخذنا نتناقش حول الورود ونطبق هذا على الناس
هو يرى أن الفتيات الجميلات ذوات الـ ( الشعر السايح والعطر الفايح) والمنغمسات حتى الأذنين فى الموضه .والمهتمات بالممثل (فلان ابن علان) أكثر من اهتمامهن بصلاة الظهر مثلاً ..الفتيات اللاتنى تساوى مدة تركيزهن مدة تركيز سنجاب ,,يرى أنهن ورود صفراء بلا رائحه لها شكل يخلب الألباب ..ولكنها بلا رائحه .. يرى أن أمثالهن قشره بلا روح .. وجه جميل لا أكثر .. خاويات على عروشهن من الداخل
يرى الريحان ذى الرائحة الرائعة .أناس لم يوافهم الحظ فى نسبة الجمال ..ولكن عقولهم تزن بلداً ..
يرى أنها حكمة إلهية ما ..
"خدى عندِك سقراط مثلاً .. الدمامه تمشى على قدمين .. بس عقله ... "
وجدتنى اسأله : "وبالنسبه يعنى للورد الجميل اللى ليه ريحه ؟؟ "
قال وهو يمط شفتيه : " ده ورد الناجح المحظوظ أوى .. بس هاتلاحظى إن الورد ده بيذبل بسرعه جداً .. الورد ده كبرياؤه هى أهم حاجه عنده .. كبرياؤه هى اللى بتعلو بيه .. وكبرياؤه هى اللى بتقضى عليه !! "
"يعنى مفيش ورد متكامل ؟؟"
سكت لثوانٍ ثم قال : " انتى ورده متكامله !! "
فاجأنى بقولها .. فى هذه الحالات لا أعرف حقاً ما علىَّ قوله أو فعله فعلاً
"لازم أقوللك انى عمرى ما شفت أى ولد فى سننا دى وبيتكلم بالطريقه دى!!"
"أى طريقة ؟؟"
"طريقه ... عميقه يعنى "
رفع حاجبيه ..وابتسم ..
مشينا فى صمت لفترة .. ولكننا كنا نشعر الشعور ذاته ..
رائحة النيل ..رائحة الترمس .. رائحة الذره .. رائحة الورود وافرة الحظ
مثل هذه الأشياء الصغيره البسيطه ..تجعلنا نريد أن نتمرغ فى الأرض ونحسد دودة الأرض على حياتها ..تجعلنا نريد أن نخرج من جسدينا لنصير روحين ونطير إلى الأبد فى السماء وبين الأثير .. تجعلنا نريد الجرى إلى اللا شئ واللا هدف ..
"للأبد ؟؟ "
"ايه ؟؟"
"عارف ماجى ؟؟ .. حبيبة رفعت اسماعيل .. ماجى ماكيلوب ؟؟"
"طبعاً"
واستنتج هو الباقى قبل أن أقوله حتى أو يخرج من على طرف لسانى
"عارف الجُمَل اللى على طول بيقولوها لبعض ..عهد النجوم والـ ... "
ولكنه قاطعنى مستكملاً للسؤال الذى سألته إياه فى البدايه .
"للأبد ماذا ؟؟ "
ابتسمت وقلت : "أستظل تحبنى للأبد ؟؟"
فقال : "وحتى تحتىق النجوم .. وحتى تجف المحيطات ..وحتى ....."
وهنا وقع كيس الترمس من يده فلم يستكمل الجمله .. التقطه من على الأرض ..وشرع يضحك .. ولا شعورياً ..رحت أضحك أنا ايضاً ..
"دايماً بتحصل حاجه تقطع الجمله مع رفعت وماجى "
"وحتى لو ماحصلتش حاجه تقطع الجمله .. رفعت مش بيلاقى حاجه يقولها بعد (وحتى تجف المحيطات) .. تكملة الجمله متروكة لخيالك بقى "
توقفنا عن الضحك أخيراً ..واكتشفت أننى تأخرت ..وافترقنا ثانية مع وعد باللقاء مرة أخرى
بعدها التقينا كثيراً ..مرات عديده بعد المراجعة عند حنان .. ذهبنا لأماكن عدة .. آخر لقاء بيننا كان منذ يومين تقريباً ..ذهبنا إلى سور الأزبكيه .. وابتعنا كتباً بالجمله ..ابتاع هو كتب نجيب محفوظ كلها تقريباً ..كانت تُباع بالكيلو !!
-للأبد ماذا ؟؟
-أستظل تحبنى للأبد؟؟
-وحتى تحترق النجوم .. وحتى تجف المحيطات .وحتى .....
وهنا طالبنا بائع الكتب بدفع ثمن القصه وإلا سيقاضينا نحن الإثنين أمام محكمة الجنايات !!
فانفجرنا من الضحك .. والبائع ينظر إلينا ويضرب كفاً بكف .. ويضع يده بجانب رأسه ويكورها ويحركها بطريقة معينه (علامة الجنون) ..
كان ذلك اليوم هو أفضل يوم شهدته فى حياتى القصيرة تلك على الإطلاق ..أفضل لقاء لنا ..
بالنسبة إلينا ..ليس هناك ما هو أجمل من اللقاء بين الكتب !!
وقبل أن نفترق .. أعطانى مظروفاً صغيراً مكتنزاً بعض الشئ .. وقال :
"ماتفحيهوش دلوقتى .. انتى هاتعرفى الوقت المناسب لفتحه .. يا رب يعجبك اللى جواه "
"رساله ؟؟ .. بس ليه ؟؟ "
"انا لقيت روحى على الورق وفى الكتب ومع القلم يا عبير .. وانتى كمان ..صح ؟؟"
"طبعاً "
"خلاص .. يبقى الورق أسهل وسيله للتعبير ..واوعدينى انك مش هاتفتحيه دلوقتى"
"طيب اوعدك .. بس ازاى اعرف ان الوقت المناسب جه ؟؟"
ابتسم وقال :" انتى هاتعرفى .. انتى عبير !!"
وافترقنا ..وعُدت للمنزل ومعى المظروف ذى المحتوى المجهول ..
بعدها بخمسة أيام .. جاء موعد الحصة عند حنان ..
ثم دخل هو ..
غريب
كأن شئ ما قد تغير فى ملامحه
ولكن ...
نفس العينين .. نفس الأنف .. نفس الفم ..
ولكن شئ ما قد أصاب روحه ..وقد أكد لى هذا صدق مقولة (الجمال جمال الروح) ..شئ ما قد أصاب روحه الثائرة التى همت بها حباً ..ثم وبدون سابق إنذار ..تهاوى أحمد على ارض شقة حنان مغشياً عليه وقد اكتسى وجهه بلون أزرق مخيف !!
لم أستطع الإطمئنان عليه من الجموع التى احتشدت حوله فجأة .. وقام حكيم الزمان من مكانه وقد تظاهر بأنه يعرف ما يجب عمله ...
أمر الفتيان بأن يحضروا كرسياً ويتعاونوا على إجلاسه .. ويا له من غباء ..
أفضل طريقة للتعامل مع فاقد الوعى هى بابقائه مستلقياً فى وضع النوم . ولكن من سيستمع إلى آراء مراهقة غريره ؟؟ .. وما الذى ستساويه آراءى بجانب آراء حكيم الزمان .. والغريب أن أحمد لم يفق رغم محاولات أم حنان ومحاولات حكيم الزمان .. وشعرت حينها ان احمد فأر تحارب يجربون عليه كافة الوصفات المنزلية الغبية اللعينه ..وكل واحد يحاول إثبات براعته فى تحضير الوصفات عليه هو !!
فى النهاية جاءت عربة الإسعاف .. وتفرق الحشد .. ونزلت للشارع بعينين دامعتين أراقب عربة الإسعاف وهى تبتعد ومعها قلبى ..
عدت للمنزل فى هذا اليوم .. وأنا أشعر ان جزءاً مهماً من روحى وقد تم انتزاعه منى ..يا له من احساس ..
لا أعرف أين هو الآن .. أو فى اى مستشفى هو .. هل هو بخير ؟ ..ماذا يفعل الآن ؟ .. لا أعرف عنه اى شئ على الإطلاق ..
واكتشفت فى جهشة أنه لو أُلغيت الحصة عند حنان فى مرة من المرات ..قلما كنا سنستطيع اللقاء .. لقاؤنا يعتمد على الحصه عند حنان . فنحن لا نعرف عن بعضنا البعض أى شئ .. لا أعرف عنه سوى اسمه وسوى أنه يحبنى وأننى أحبه .. وأنه الجزء الثانى من روحى .. الجزء الذى لطالما كان مفقوداً ..
أيتها الروح الثائرة .. ماذا حَل بك؟؟ .. ماذا أصابك؟؟
فى نفس الموعد ..ذهبت إلى منزل حنان والقلق يعتصرنى ..هل سيأتى ؟
ولكنه لم يأت !!
بعد أربعة أيام.. عرفت أن (أحمد على) قد أسلم الروح !!
عرفت الخبر من حنان .. كانت تتكلم عنه على أنه (الواد المُز أبو عيون بنيه ده) ..فى البدايه لم أصدقها .. ولكنى عندما سمعت حكيم الزمان يقول :"عرفنا كلنا الخبر يا جماعه .. فقدنا زميل عزيز .. أحمد عادل و...."
فقال واحد من حشود النمل : "أحمد على يا مستر"
فنظر إليه حكيم الزمان شذراً نظرة معناها : "وإن يكن .. لقد مات وانتهينا"
"نسألكم الدعاء له .. ونسأل الله أن يرحمه ويغفر له ..ودلوقتى بقى طلعوا كتب الرياضه .وافتحوا صفحة ..."
بعد هذه الكلمة ..لم أشعر بأى شئ على الإطلاق ..لم أشعر بنفسى إلا وعندما شممت رائحة النشادر المقبضه .. وشعرت بالأنفاس الحاره تلفح وجهى .. وسمعت الثرثره
"هى كويسه ؟؟ "
"هو ايه اللى حصل ؟؟"
"هو احنا ناقصين ؟؟ .. هى كمان ؟؟ "
وعندما فتحت عينىَّ .. كان أول ما تراءى لى هو وجه حنان العزيزة ..ومن حولها كانت حشود النمل تمد رؤؤسها فى فضول ..
كنت مستلقية على أريكة ما فى بيت حنان .. وقد اكتشفت للتو أننى كنت فاقدة للوعى لمدة لا تقل عن ثلث الساعه ..لماذا وضعونى أنا فى وضع الإستلقاء ووضعوه هو فى وضع الجلوس .. لماذا ؟؟
إنه غباء الجماهير .. تباً لغباء الجماهير ..
تباً للجموع ..
يا له من ببغاء ..عقله فى أذنيه ..
وجهى مبتل للغايه ..
دموع ...
إننى أبكى !!
اتمنى فقط ان تتفرق تلك الحشود المزعجه لأن الرائحة أصبحت لا تطاق بحق .. إننى ...
أتمنى ...
بيَد أننى لم أشعر بأى شئ للمرة الثانيه ..
اختفى الماضى .. وذاب الحاضر .. ولم يعد هناك مستقبل
وذهبت إلى ذلك العالم الذى يذهب إليه فاقدى الوعى جميعاً
وأثناء غيبوبتى ..ظننت أننى أرى وجهه !!
ظهر لى وجهه فجأة .. ثم أفقت مرة أخرى ..
هذه المرة لم أكن فى بيت حنان ..
كان مكاناً أبيض بشده .. اللون الأبيض كما يجب له أن يكون ..
وكأنه مهرجان للون الأبيض فقط ..
لست ميته لو جال هذا بخاطرك ..ولم أفهم لحظة الناس الذين يصفون الموت بأنه مكان أبيض تجد نفسك فيه ..
أنا فقط فى مستشفى ما ..كانت حنان بجوارى ..
قضيت فى المستشفى يومين .. وبعدها خرجت وعدت للمنزل ..قضت حنان العزيزة اليوم معى .. كانت تحاول أن تخرج منى المعلومات .ولكنى لم أصارحها بشئ ..فقط سألتها :
"طب ليه ؟؟ ..وازاى ؟؟! "
فهمت مغزى سؤالى ..تنهدت وقالت :
"كان عنده مرض كده ..سمعت ماما بتنطق اسمه بالإنجليزى ..بس هو بالعربى يعنى .. يعنى سرطان دم !! "
لا شعورياً تمتمت :
"سرطان دم ؟؟ ..لوكيميا !! "
"أيوه .. ايوه ..هى دى الكلمة دى ..كاليميا دى .. واضع يعنى من اللى ماما عرفته أنه كان عنده المرض ده من 4 سنين ..كان عارف بيموت خلاص .. الدكاترة رجحوا ان ادامه أقل من سنة كحد أقصى !! "
"أقل من سنة ؟؟! "
عادت حنان لمنزلها فى التاسعة مساءاً .. أما أنا فجلست على السرير لا ألوى على شئ !!
ثم تذكرت .. المظروف ... لقد قال لى أن أفتحه فى الوقت المناسب ..لو لم يكن هذا هو الوقت المناسب ..فأظن أن كلمة (مناسب) لا تعنى شيئاً على الإطلاق !!
أحضرت المظروف وفتحته ..
أولاً : كان بداخله الوردة الصفراء من جولتنا على كورنيش النيل ...
ثانياً : كان العدد (أسطورتها) من ما وراء الطبيعة !!
وضعت كل هذا بجانبى ثم كان أن (ثالثاً)
ثالثاً : ورقة فلوسكاب صغيرة مطوية .. فضضت الورقة فى لهفة وبدأت أقرأ ...
عبير ...
أظن أن هذا هو (الوقت المناسب ) فعلاً .. عرفت أنك ستعرفين متى ستفتحينه .. انتِ بخير؟؟ ..اتمنى ذلك ..
بما أنك تقرأين هذا الكلام ..فأظن أننى قد ذهبت !!
لا تحزنى ، ولا تغضبى .. لم اشأ إخبارك .. لقد جعلت آخر أيام حياتى أفضل أيام حياتى ..
وانت تتعرفين أكثر مما أعرف أنا ..أنه ليس معنى أن جسدى إذ ذهب أن روحى قد تلاشت أيضاً .. لا ..
إن روحى على الورق .. فى الكتب ..مع القلم ..
إن روحى معك أنتِ مثلما كان قلبى ..
لم أتوقع يوماً أن يصدر منى أنا مثل هذا الكلام الذى فى موقف آخر كنت سأراه مبتذلاً سخيفاً !!
تمنيت ألا يكونوا قد اخترعوا التليفزيون ..التمثيليات ..الأفلام .. لكى نعرف ..هل ما نشعر به حقيقى .. أم أننا فقط نفعل مثلما نرى على التلفاز .. نمثل سيناريو غير مكتوب ..
ولكن لا ، كل لحظة كانت حقيقية جداً .. بل أننا لم نكن نحتاج إلى كلمة (أحبك) ..تلك الكلمة التى أصبحت قطعة لادن فى فم كل من هَب ودَب .. بل كانت هذه الكلمة تنتقل كاملة المعانى بين روحينا ...
ويا لها من سخرية عظمى هى أن تكون نهايتى على يد مرض من الأمراض التى كان (رفعت إسماعيل) يحاربها .. سرطان الدم –كما أظن أنهم أخبروكِ-
ولكنك يا ماجى ما زلت حية ..واتساءل الآن .. أما زلتِ على عهدك ؟؟!
ثم كتب تحت هذه الكلمات عهد النجوم ..وهذه المرة كان هو الذى يسألنى :
-للأبد ؟؟!
ثم ترك تحتها فراغاً .. فوجدتنى أقول :
-للأبد ماذا ؟؟!
فكتب :
-أستظلين تحبيننى للأبد ؟؟!
وترك فراغاً تحتها .. فقلت بسرعة :
-وحتى تحترق النجوم .. وحتى تجف المحيطات .. وحتى ...
وهنا انفجرت فى البكاء !!
..
جيش النمل وقطعة السكر/ شعر ثاشر/ ملابس مبهدلة/ محرقة جثث/ انت بتقرأ الحاجات دى ؟ / أنا بانام عليها/ وكمان بتقرأ ما وراء الطبيعة ؟/ مايكونش ايه / مايكونش تافه : يعنى ..انتى ناضجة/ الحاجات من بعيد شكلها أحلى / نظرة استهتار / ورد اصفر / بائع الذرة يفهم هذه الأمور/ وردة لكل واحد/ريحتها غريبة/عباد الشمس ريحته مش برفان/انت عمرى/لو كان فى ريحان / بتحب الريحان؟ / جداً / ورد محظوظ/ورد سريع الذبلان/انتى وردة متكاملة/طريقة ..عميقة يعنى/ماجى/رفعت/وهنا وقع كيس الترمس/سور الأزبكية/أسطورتها/ بائع الكتب/محكمة الجنايات/انتى هاتعرفى .. انتى عبير !!
مرت ذكرياتنا كلها أمام عينى ..لن تعود هذه الأوقات ثانية .. لقد كانت ..ولكن لا أحد سيجعلنى أصدق أنها ستعود !!
وبكيت أياماً لم نعشها .. وبكيت أشياءاً لم نراها سوياً !!
للحظات شعرت أن (1=1+1) فعلاً ..بكيت كثيراً ..
ولم أشعر بنفسى عندما تهاوت رأسى على الوسادة ونمت ..
كان اسمه (أحمد على) وسأظل أذكره للأبد !!
ورأيته حينها .. كنت أعرف أنه سيأتى ..بل كنت انتظره ..
كان يقول لى وابتسامة رائعة بزاوية الفم اليسرى مرتسمة على وجهه :
"للأبد ؟؟! "
فقلت : للأبد ماذا؟؟!"
"أستظلين تذكريننى للأبد؟؟! "
كان صوته يبتعد شيئاً فشيئاً ...
"آه وربنا ، وحتى تحترق النجوم .. وحتى تجف المحيطات .. وحتى ...."
وهنا أسدلت الحياة ستائرها على مسرح اليوم .. استعداداً لمسرحية جديدة بالكامل ..
مسرحية بإسم (الغد) !!
..
رانيا فهمى
2012
حينما خرجت من باب منزلى بعدما أخذت النقود من أمى دامعة العينين من تقشير البصل .. ومشيت بخطوات متثاقله كجواد جريح إلى بيت حنان ..لم أكن أعرف أن هناك – فى منزلها – أكثر من مجرد معادلات جبريه مطلسمه ..لا تستطيع أبداً معرفة نهايتها كملحمة جلجاميش !!
فتحت لى حنان الباب .. والتقت عينانا .. ففهمت على الفور ما تبغى قوله
"اتأخرتى ليه يا عبير بس ؟؟! ..المستر هنا من ربع ساعه تقريباً !!"
قالتها هامسه .. فقلت هامسه أيضاً : " آسفه يا حنان .. هاتدخلينى ولا ايه ؟؟!"
تنحت حنان لتفسح لى المكان لأدخل
فى البدايه .. لم أتبين ما هنالك .. ظننت أن ما أراه أمامى هو قطعة من السكر أو البسكويت الحلو وحولها جيش جرار من النمل متباين الأشكال والألوان .. ولكن عندما دققت النظر فى المشهد .. اكتشفت أن قطعة السكر لم تكن إلا منضدة الطعام –السُفره- المسكينه المتهالكه ذات الخشب النخر .. وأن جيش النمل الجرار متباين الأشكال والألوان هذا لم يكن إلا مجموعه من الطلبه –فتيان وفتيات- يمدون رؤوسهم كأى سلحفاة تحترم نفسها .. ليرهفوا أسماعهم لما يقوله حكيم الحكماء –المدرس مجهول الهويه- !!
أبدت حنان شهامه حقيقيه عندما أحضرت لى كرسياً من مكان ما – المكان الذى يحضرون منه الكراسى على ما يبدو .. أياً كان هذا المكان - .. وبمعجزةٍ ما استطاعت حنان العزيزه أن تجد لى مكاناً وسط صفوف النمل لكى أجلس وأستمع لما يقوله حكيم الزمان !!
"الموضوع مش موضوع مذاكره .. الموضوع موضوع ذكاء .. هنا –قالها وهو يشير إلى رأسه- مفيش طبق كبده بالسلطه .. إنما فى مخ !! "
يقولها حكيم الزمان .. فتصدر شهقات الإعجاب وعدم التصديق من صفوف النمل .. حتى أننى توقعت أن يصرخ أحدهم فى إعجاب وهو يضرب الأرض بقدميه ويقول بعينين متسعتين كما كانوا يفعلون فى حفلات أم كلثوم : " يا سلااااااااااام .. أعِد .. أعِد !! "
نظرت إلى الوجوه المنتشره بكثره من حولى كأشجار غابة سافانا كثيفه ...
وجوه ناعمه رقيقه ذات شعر سائح وعطر فائح .. تلف حول اجسادها الفساتين والبلوزات الناعمه ...
ووجوه خشنه ذات شوارب نصف ناميه .. وأصوات تتحسس طريقها فى ممر الرجوله الطويل مستعينة بشمعة البلوغ .
لا شئ يميز أى شخص ها هنا ...
كلهن فتيات تافهات كل واحدة منهن مدة تركيزها تساوى مدة تركيز سنجاب أو تقل عن ذلك ممكن .. كل واحدة منهن مستقبلها معروف لها ومحدد والجميع يعرفه .. غالباً لن يدخلن الجامعه .. ستتزوج كل واحدة منهن – زواج صالونات طبعاً - .. وتجلس فى بيتها تُعد المحشى فى سعادة ورضا غريب عن الحياه ..
وكلهم فتيان يحاولون ألا يبدوا اهتمامهم بهذه الفتاة أو تلك .. وهذا كافٍ جداً لجعل مظهرهم فضيحه وأمرهم واضح ومكشوف ..
هم أيضاً يعرف كل واحد فيهم إلام سينتهى به الأمر ..
!! إما كزوج لزوجه لا يعرف عنها أكثر من إسمها وإسم أبويها .. وإما كسائق تكتك
كان كل هذا .. هذا الجو المقبض المتضارب .. يبعث رعشة ما فى أوصالى ..ويضفى طابعاً غريباً – ومحبباً – على الذكرى التى ستتكون فى عقلى عن هذه اللحظات ..
"لازم الواحد يعرف ازاى يحل معادلات المقادير الجبريه .. أصل الموضوع مش موضوع حفظ وحَط .. لازم تفهم المعادلات يا ابنى منك ليها !! "
فترتفع صيحات الإستحسان والإعجاب .. يبدو أن معادلات المقادير الجبريه هذه لها تأثير كالسحر فعال فى نفوسهم !!
كان هذا قبل أن يدخل هو ...
ارتفع صوت جرس الباب .. فنظرت حنان فى استعطاف للحكيم . فعفا عنها الحكيم العظيم الرحيم .. وسمح لها بعشر ثوانٍ تفتح فيها الباب ..
فتحت حنان الباب فأصدر صريراً يقشعر الأبدان .. فصدرت عن صفوف النمل أصوات تنم عن الضيق من صوت الصرير المزعج ..
ولكنى لم انتبه اصلاً لذلك الصوت .. بل كان ذلك الصوت مجرد خلفيه للأفكار التى دارب فى عقلى حينها
لم أنتبه له .لأن من الباب دخل مخلوق جدير حقاً بالوصف ..
خطا إلى الداخل بشعره الثائر حول رأسه .. وعيناه البنيتان العسليتان .. والزغب القليل جداً فوق شفته .. وملابسه التى تحمل طابع (البهدله) المحبب .. وكأنه خارج للتو من مشاجره اشترك فيها كل فتوات الحاره مثلاً ..دارت عيناه فى المكان .. وللحظه شعرت بأنه يفكر في نفس ما فكرت فيه عندما دخلت إلى هنا .. النمل وقطعة السكر .!!
أحضرت له حنان كرسياً .. فشَق طريقه بشجاعة منقطعة النظير وسط صفوف النمل ووجد لنفسه مكاناً بالكاد يكفى للكرسى .. وجلس وعلى وجهه امارات اللامبالاه أو الإستهتار.. ولكنه استهتار محبب .. يضفى عليه طابعاً خاصاً ..
ثم أنه أخذ يجول بعينيه يتفرس فى الوجوه .. وبدا لى أنه يفكر فيما فكربت فيه تماماً عندما نظرت إلى تلك السحنات الكالحه المتناثره من حولنا ..ثم أنه توقف عند وجهى ...
ارتبكت ولم أعرف حقاً ما علىَّ فعله ..للحظة ..التقت عينانا ..فابتسمت فى تكلف .. فابتسم ..وكانت ابتسامته مميزه ..فقد كان يبتسم بزاوية فمه اليسرى ..
لم أطل النظر إليه .. ولكننى للحظات شعرت أنه يرمقنى ..ينظر إلىَّ –نظرات من تحت لتحت كده - .. وحينما كنت افاجأه وأنظر إليه فجأة وأجده ينظر إلىَّ .. كنت أبتسم أحياناً أو أبعد عينىَّ وكأن عينانا لم تلتق وكأن شيئاً لم يكن !!
كان الوقت يجرى بطيئاً كسلحفاة اشتركت فى ماراثون ..ولكنه رغم هذا مر وانقضى ..وحاء الوقت الذى قرر فيه حكيم الزمان أن يغلق شدقيه الناطقين بالحكم الأبديه .. وأن يتركنا فى حال سبيلنا - بعد ان لهف من كل واحد أربعين جنيه كده - ..وقفت صفوف النمل فى وقت واحد .. وأخذ كل واحد يجمع أوراقه وأشياءه المتناثره ..
وجدته ينظر إلىَّ .. فانهمكن بشده فى جمع أشيائى ..ولكنه اتجه نحوى وقال : "أى مساعده ؟؟ "
قالها وهو ينظر إلى كتبى وأشيائى المتناثره والتى تحتاج إلى ثمانى أذرع على الأقل لانتشالها وجمعها
"مفيش داعى ، هاتدبر أمرى يعنى "
قلتها أنا فى ارتباك واضح .. شكت لثوانٍ ثم قال
"أنا أحمد .. أحمد على "
هل يبغى التعرف علىَّ؟؟ .. هل يريد اتباع سياسة (المصاحبه) اللعينه معى ؟؟ ..أنا لا أريد هذا .. ولا أمقت شيئاً فى العالم قدر ما أمقت هذا
"عبير .. عبير عبد الرحمن "
وجدتنى أقولها رغماً عن الافكار التى دارت فى عقلى آنذاك
الغريب أنه ضحك وقال
"عبير عبد الرحمن ؟؟ .. ده اسم بطلة سلسلة فانتازيا .. فانتازيا دى سلسلة بتـ ... "
"أيوه أيوه .. عارفاها طبعاً .. انت بتقرأ الحاجات دى ؟؟ "
ضحك مجدداً وقال
"أنا بانام عليها !! "
غريب هذا .. للمرة الأولى أقابل فتى يقرأ .. بل ويقرأ فانتازيا ايضاً وليس مجلة ميكى
فى النهاية ..وجدتنى أخرج من باب شقة حنان معه .. أعرف أن ما أفعله ليس الصواب بالمره .. هذا ليس من شيمى ولا من أخلاقى .. ثم أنه لو أن أحداً من معارفى رآنى الآن لانتهى أمرى على الفور .. لو أن أحداً من عائلة أبى المتوفى بالذات رآنى .. سينتهزون هذا فرصةً ليأخذوننى من أمى التى سيتهمونها أمام المحكمه بافتقاد المسئوليه
ولكن –وهذا هو الغريب- كنت أشعر بارتياح .. وكأننى وجدت المكان الصحيح لى .. مشينا معاً وسط الحارات الحالكة ووسط الأطفال الذين يلعبون بكرة شراب فى سعادة غريبه ومثيرة للريبه
تكلمت انا فقلت
"أنا .. مش عارفه، بس .. انا ماليش ف المواضيع دى !! "
نظر إلىَّ فى حيره
"أى مواضيع ؟؟ "
فقلت فى قنوط
"المصاحبه .. بوى فريبند ، جيرل فريند .. أنا ماليش فى المواضيع دى خالص .. ودايما بابعد عن المواضيع دى على أد ما أقدر "
هز رأسه وكأنه يبعد فكرةً ما عن عقله وقال
"لا لا .. أنا ماليش فى الحاجات دى خالص يا .. يا عبير .. وكمان لو كنتى فاكرانى صايع بقى وغرقان ف الحشيش وبادخن زى محرقة الجثث فـأنا مش ... "
"بادخن زى محرقة الجثث ؟؟ .. التشبيه ده بتاع .. بتاع رفعت اسماعيل .. رفعت اسماعيل ده شخصيه خياليه .. بطل سلسلة ..."
"ما وراء الطبيعه .. عارف "
"وكمان بتقرأ ما وراء الطبيعه ؟؟ "
اومأ برأسه أن نعم
"انت .. انت أول ولد أعرفه ف حياتى ومايكونش ... "
"مايكونش ايه ؟؟ "
"مايكونش .. تافه "
مط شفتيه وقال
"وانتى أول بنت أشوفها ف حياتى وماتبقاش منغمسه ف الموضه "
"وانت عرفت منين انى مش منغمسه ف الموضه ؟؟ .. لبسى باين عليه كده ولا ايه ؟؟ "
"لا لا لا .. انتى لبسك تمام .. بس باين إنك .. يعنى .. ناضجه "
ضحكت للكلمة الأخيره .. ناضجه .. أين أنا من النضج ..
ثم ما هو االمقياس الحقيقى للنضج الحقيقى الذى يمكننى قياس مقدار نضجى عليه ؟؟ ..
!! أنا مجرد طفلة يا فتى
الغريب أننى وجدتنى اسأله عن حياته
"احكيلى عن حياتك "
مط شفتيه مجدداً وقال فى امتعاض
"مفيش طتير ف حياتى "
سكت لثوانٍ وكأنه يتأمل ثم تابع
"بلاش نتكلم عن حياتنا . الحاجات من بعيد بيبقى شكلها أحلى وأجمل .. لما بتقربى منها بتكتشفى الجزء الوحش فيها "
يااااه .. يتحدث مثله تماماً ..رفعت إسماعيل
"قصدك ان تفاصيل حياتك مخجله مثلاً ؟؟ "
"لا لا ... بس .. الوضع هايبقى أحلى كده .. صدقينى "
(هايبقى أحلى) تشير إلى المستقبل .. هل يعنى ذلك أنه جاد وينوى أن يصنع قصة حب المراهقة الخاصه به معى ؟؟
ولكن الغريب أننى لم أعترض .. بل أومأت برأسى وابتسمت ..
ثم افترقنا وقال أنه سيرانى المرة القادمه .. ولم أعترض .. بل وافقت على الفور
ماذا دهانى ؟؟
عندما عدت للمنزل أدركت فى رعب أننى ..
!! أننى أحبه
هل تصنع قصص الحب بهذه السهوله ؟؟ بهذه البساطه ؟؟
أحسست بإعصار من المشاعر المتناقضة بداخلى .. أولاً الكبرياء .. أنا .. عبير عبد الرحمن .. واقعة فى الحب من النظرة الأولى مع فتى لا أعرف عنه شيئاً إلا اسمه .. وقعت فى الحب بتلك الطريقة المباغتة المفاجئه ..
أنا عبير عبد الرحمن .. كنت دوماً سيدة قرارى ..
هل حقاً أحبه ؟؟
بيد أن كل هذه الأفكار ذهبت أدراج الرياح ..بهذه البساطه .. وحل محلها شعور طاغٍ غريب بالسعاده التى شعرت بها تسرى فى أعماقى وتجرى فى دمائى مجرى الدم ..
ووجدتنى أذهب إلى بيت حنان مرة أخرى فى نفس الميعاد ..وكان هو هناك .بملابسه (المبهدله) ونظرة الاستهتار فى عينيه وعلى وجهه .. أشعر وكأنه ينتمى بشكل ما للعالم الذى أنتمى أنا إليه وجئت منه ..بعيداً عن الماديه .. بعيداً عن قواعد عالمنا السخيفه التى تقتل الخيال قتلاً ..
تلك المسحة الجميله من الشفافيه على وجهه .. وكأن ملامحه تصرخ قائلة
"هأنذا أيها العالم .. أبتعد عن ماديتك اللعينه .. فلترنى ما لديك أيها العالم .. أو لتفسح لى المجال !! "
كان اسمه أحمد على .. وكنت واقعة فى حبه .. واقعة فى حبه تماماً
انتهى الدرس ..فخرجنا سوياً من بيت حنان ..ومشينا معاً مرة أخرى فى الطرقات .. هو لا يعلم أين سنذهب .. أنا لا أعلم أين سنذهب .. ولكننا بالرغم من هذا كنا نمشى وكفى
مررنا بجانب كشك لبيع الزهور .. فوجدته يخرج نقوداً من جيبه ويشترى الكثير من الورود الصفراء ..ويعود بها إلىَّ
"صفرا ؟؟ .. انت كده بتخرق القواعد .. كل الورد فى قصص الحب بيبقى أحمر "
"وليه نلتزم بالقواعد ؟؟ .. الأحسن أننا نرتجل ونتصرف بنفسنا "
لا أعرف متى ولا كيف وجدنا نفسينا نمشى بجانب النيل .. الكورنيش
المكان الأبدى للعشاق .. حتى اصطلحوا على تسميته بـ (ملتقى العشاق) ..
احنا كده بننفذ نفس خطوات قصص الحب بالظبط .. ورد .. كورنيش .. ناقص بقى الذرة والترمس "
"آه .. كنت هانسى "
ووجدته يجرى نحو بائع الذره ويشترى كوزين .. ويعرج على بائع الترمس ويشترى كيسين
كان بائع الذره ينظر إلينا ويرمقنا فى فهم – أم فى خبث ؟؟- .. وبجانبه كان المذياع القديم يخرج منه صوت أم كلثوم الشجى تغنى (انت عمرى)
فمد البائع يده المعروقة إلى المذياع ورفع الصوت وهو ينظر إلينا نظرة معينه بما معنى : "أى خدمه .. مفي داعى للشكر .. ذرة وأم كلثوم ومفيش أحلى من كده .. استمتعوا !! "
كان أحمد ينظر للبائع الذى كان يحدجنا بدوره بنظراته .. ويبدو أن أحمد قد فهم مغزى نظراته أيضاً .. بيَد أنه رفع عينيه عن البائع فجأة ونظر إلىَّ .. ثم انطلق يضحك ..فضحكت أنا ايضاً .. الإشاره انطلقت من عقله إلى عقلى والعكس .. فكرنا فى نفس الشئ فى نفس الوقت .. الموقف ليس مضحكاً لهذه الدرجه .. فكل بائعى الذره هكذا .. ولكن نظرات بائع الذره مع هواء النيل ورائحة السمك مع مذاق الترمس المالح مع رائحة الذره المشويه مع الشعور بأن هناك شخص معك يعرف تماماً فيما تفكر ..كل هذا جعلنا نضحك بشده
ضحكنا كثيراً حتى أدمعت عينانا .. ثم استكملنا المشى .. كان هو ما زال يحمل ذلك الورد الأصفر .. يضعه بين طيات سترته .. فوجدته يضع كوز الذره وكيس الترمس جانباً على السور .. ويُخرج الورد ويعطينى بعضاً منه .. ثم مشى أمامى يوزع الورد على الناس !!
فى موقفٍ كهذا .. كانت أى فتاة ستصرخ فى وجهه تتهمه بالجنون وبأنه (غير روش) وأنه مثال عظيم للشاب (السيس) وأنه لا يجيد فن الرومانسيه –ذلك الفن السخيف الذى ليست له مقاييس محدده - ..ولكنى لم أشعر لحظة بتلك الأفكار تجول فى خاطرى البته .. بل وجدتنى أمسك الورد الذى أعطانيه وأشاركه ما يفعله ..
وردة لبائع الذره –الذى يفهم هذه الأمور- .. وورده لبائع الترمس .. وردتين لهذين العاشقين الذين يغترفان من عبق النيل .. وورده لبائعة المناديل العجوز
هكذا ..وبعد عشر دقائق ..أصبحت أذرعنا خالية من الورود .إلا من وردتين .. واحدة معه .. وواحدة معى
"الورد ده ريحته غريبه !! "
قالها وهو يضع الورده بالقرب من أنفه
شممت الورده فكانت لها رائحة غريبه ..كرائحة أعشاش العصافير ممكن .. أو كرائحة القطران حتى !!
"مش كل الورد ريحته حلوه "
"غريب .. وانا صغير .. كنت فاكر كل الورد ريحته أجمل ريحه فى الوجود .. وان ريحة عباد الشمس زى ريحة البرفان !!"
ضحكت ثم قلت : " مش مهم الريحه ..الورد عاجبنى "
"بس لو كانوا بيبيعوا ريحان ..كان هايبقى أحسن وأحلى "
"بتحب الريحان ؟؟"
"جداً "
سكت قليلاً وكأنه يفكر فى شئ ما .. ثم قال
"الريحان مش بيمتاز بشكل الورد .. بس ليه أجمل ريحه .. بالنسبه للورد فالعكس الصحيح "
قلت أنا معترضه : "بس مش كل الورد مالهوش ريحه .. التيوليب ..السوسن ..الورد الأحمر..كل دول ليهم ريحه جميله جداً "
"عشان كده كل الناس بتشتريهم .. ده ورد محظوظ جداً .. عنده ريحه وعنده شكل ..بس ايه ذنب الورد اللى مالهوش ريحه أو الريحان اللى مالهوش شكل ؟؟ "
ثم أخذنا نتناقش حول الورود ونطبق هذا على الناس
هو يرى أن الفتيات الجميلات ذوات الـ ( الشعر السايح والعطر الفايح) والمنغمسات حتى الأذنين فى الموضه .والمهتمات بالممثل (فلان ابن علان) أكثر من اهتمامهن بصلاة الظهر مثلاً ..الفتيات اللاتنى تساوى مدة تركيزهن مدة تركيز سنجاب ,,يرى أنهن ورود صفراء بلا رائحه لها شكل يخلب الألباب ..ولكنها بلا رائحه .. يرى أن أمثالهن قشره بلا روح .. وجه جميل لا أكثر .. خاويات على عروشهن من الداخل
يرى الريحان ذى الرائحة الرائعة .أناس لم يوافهم الحظ فى نسبة الجمال ..ولكن عقولهم تزن بلداً ..
يرى أنها حكمة إلهية ما ..
"خدى عندِك سقراط مثلاً .. الدمامه تمشى على قدمين .. بس عقله ... "
وجدتنى اسأله : "وبالنسبه يعنى للورد الجميل اللى ليه ريحه ؟؟ "
قال وهو يمط شفتيه : " ده ورد الناجح المحظوظ أوى .. بس هاتلاحظى إن الورد ده بيذبل بسرعه جداً .. الورد ده كبرياؤه هى أهم حاجه عنده .. كبرياؤه هى اللى بتعلو بيه .. وكبرياؤه هى اللى بتقضى عليه !! "
"يعنى مفيش ورد متكامل ؟؟"
سكت لثوانٍ ثم قال : " انتى ورده متكامله !! "
فاجأنى بقولها .. فى هذه الحالات لا أعرف حقاً ما علىَّ قوله أو فعله فعلاً
"لازم أقوللك انى عمرى ما شفت أى ولد فى سننا دى وبيتكلم بالطريقه دى!!"
"أى طريقة ؟؟"
"طريقه ... عميقه يعنى "
رفع حاجبيه ..وابتسم ..
مشينا فى صمت لفترة .. ولكننا كنا نشعر الشعور ذاته ..
رائحة النيل ..رائحة الترمس .. رائحة الذره .. رائحة الورود وافرة الحظ
مثل هذه الأشياء الصغيره البسيطه ..تجعلنا نريد أن نتمرغ فى الأرض ونحسد دودة الأرض على حياتها ..تجعلنا نريد أن نخرج من جسدينا لنصير روحين ونطير إلى الأبد فى السماء وبين الأثير .. تجعلنا نريد الجرى إلى اللا شئ واللا هدف ..
"للأبد ؟؟ "
"ايه ؟؟"
"عارف ماجى ؟؟ .. حبيبة رفعت اسماعيل .. ماجى ماكيلوب ؟؟"
"طبعاً"
واستنتج هو الباقى قبل أن أقوله حتى أو يخرج من على طرف لسانى
"عارف الجُمَل اللى على طول بيقولوها لبعض ..عهد النجوم والـ ... "
ولكنه قاطعنى مستكملاً للسؤال الذى سألته إياه فى البدايه .
"للأبد ماذا ؟؟ "
ابتسمت وقلت : "أستظل تحبنى للأبد ؟؟"
فقال : "وحتى تحتىق النجوم .. وحتى تجف المحيطات ..وحتى ....."
وهنا وقع كيس الترمس من يده فلم يستكمل الجمله .. التقطه من على الأرض ..وشرع يضحك .. ولا شعورياً ..رحت أضحك أنا ايضاً ..
"دايماً بتحصل حاجه تقطع الجمله مع رفعت وماجى "
"وحتى لو ماحصلتش حاجه تقطع الجمله .. رفعت مش بيلاقى حاجه يقولها بعد (وحتى تجف المحيطات) .. تكملة الجمله متروكة لخيالك بقى "
توقفنا عن الضحك أخيراً ..واكتشفت أننى تأخرت ..وافترقنا ثانية مع وعد باللقاء مرة أخرى
بعدها التقينا كثيراً ..مرات عديده بعد المراجعة عند حنان .. ذهبنا لأماكن عدة .. آخر لقاء بيننا كان منذ يومين تقريباً ..ذهبنا إلى سور الأزبكيه .. وابتعنا كتباً بالجمله ..ابتاع هو كتب نجيب محفوظ كلها تقريباً ..كانت تُباع بالكيلو !!
أما انا فابتعت بعض كتب (جبران) و(بلال فضل) ..
واكتشفت فى سعادة أن القراءة عالم ساحر يجمع بيننا نحن الإثنين ..وأثناء
جولتنا فى سور الأزبكيه ..وقعت عينانا على عدد من سلسلة (ما وراء الطبيعه)
..كان بعنوان (أسطورتها) وهو يتحدث بالكامل عن (ماجى) حبيبة رفعت إسماعيل
..حيث تكرر فى هذا العدد بالذات عهد النجوم أكثر من عشر مرات تقريباً ..
ابتعناه على الفور ونحن نضحك مع أننا قرأناه مرات عديدة قبلاً ..
-للأبد؟؟-للأبد ماذا ؟؟
-أستظل تحبنى للأبد؟؟
-وحتى تحترق النجوم .. وحتى تجف المحيطات .وحتى .....
وهنا طالبنا بائع الكتب بدفع ثمن القصه وإلا سيقاضينا نحن الإثنين أمام محكمة الجنايات !!
فانفجرنا من الضحك .. والبائع ينظر إلينا ويضرب كفاً بكف .. ويضع يده بجانب رأسه ويكورها ويحركها بطريقة معينه (علامة الجنون) ..
كان ذلك اليوم هو أفضل يوم شهدته فى حياتى القصيرة تلك على الإطلاق ..أفضل لقاء لنا ..
بالنسبة إلينا ..ليس هناك ما هو أجمل من اللقاء بين الكتب !!
وقبل أن نفترق .. أعطانى مظروفاً صغيراً مكتنزاً بعض الشئ .. وقال :
"ماتفحيهوش دلوقتى .. انتى هاتعرفى الوقت المناسب لفتحه .. يا رب يعجبك اللى جواه "
"رساله ؟؟ .. بس ليه ؟؟ "
"انا لقيت روحى على الورق وفى الكتب ومع القلم يا عبير .. وانتى كمان ..صح ؟؟"
"طبعاً "
"خلاص .. يبقى الورق أسهل وسيله للتعبير ..واوعدينى انك مش هاتفتحيه دلوقتى"
"طيب اوعدك .. بس ازاى اعرف ان الوقت المناسب جه ؟؟"
ابتسم وقال :" انتى هاتعرفى .. انتى عبير !!"
وافترقنا ..وعُدت للمنزل ومعى المظروف ذى المحتوى المجهول ..
بعدها بخمسة أيام .. جاء موعد الحصة عند حنان ..
ثم دخل هو ..
غريب
كأن شئ ما قد تغير فى ملامحه
ولكن ...
نفس العينين .. نفس الأنف .. نفس الفم ..
ولكن شئ ما قد أصاب روحه ..وقد أكد لى هذا صدق مقولة (الجمال جمال الروح) ..شئ ما قد أصاب روحه الثائرة التى همت بها حباً ..ثم وبدون سابق إنذار ..تهاوى أحمد على ارض شقة حنان مغشياً عليه وقد اكتسى وجهه بلون أزرق مخيف !!
لم أستطع الإطمئنان عليه من الجموع التى احتشدت حوله فجأة .. وقام حكيم الزمان من مكانه وقد تظاهر بأنه يعرف ما يجب عمله ...
أمر الفتيان بأن يحضروا كرسياً ويتعاونوا على إجلاسه .. ويا له من غباء ..
أفضل طريقة للتعامل مع فاقد الوعى هى بابقائه مستلقياً فى وضع النوم . ولكن من سيستمع إلى آراء مراهقة غريره ؟؟ .. وما الذى ستساويه آراءى بجانب آراء حكيم الزمان .. والغريب أن أحمد لم يفق رغم محاولات أم حنان ومحاولات حكيم الزمان .. وشعرت حينها ان احمد فأر تحارب يجربون عليه كافة الوصفات المنزلية الغبية اللعينه ..وكل واحد يحاول إثبات براعته فى تحضير الوصفات عليه هو !!
فى النهاية جاءت عربة الإسعاف .. وتفرق الحشد .. ونزلت للشارع بعينين دامعتين أراقب عربة الإسعاف وهى تبتعد ومعها قلبى ..
عدت للمنزل فى هذا اليوم .. وأنا أشعر ان جزءاً مهماً من روحى وقد تم انتزاعه منى ..يا له من احساس ..
لا أعرف أين هو الآن .. أو فى اى مستشفى هو .. هل هو بخير ؟ ..ماذا يفعل الآن ؟ .. لا أعرف عنه اى شئ على الإطلاق ..
واكتشفت فى جهشة أنه لو أُلغيت الحصة عند حنان فى مرة من المرات ..قلما كنا سنستطيع اللقاء .. لقاؤنا يعتمد على الحصه عند حنان . فنحن لا نعرف عن بعضنا البعض أى شئ .. لا أعرف عنه سوى اسمه وسوى أنه يحبنى وأننى أحبه .. وأنه الجزء الثانى من روحى .. الجزء الذى لطالما كان مفقوداً ..
أيتها الروح الثائرة .. ماذا حَل بك؟؟ .. ماذا أصابك؟؟
فى نفس الموعد ..ذهبت إلى منزل حنان والقلق يعتصرنى ..هل سيأتى ؟
ولكنه لم يأت !!
بعد أربعة أيام.. عرفت أن (أحمد على) قد أسلم الروح !!
عرفت الخبر من حنان .. كانت تتكلم عنه على أنه (الواد المُز أبو عيون بنيه ده) ..فى البدايه لم أصدقها .. ولكنى عندما سمعت حكيم الزمان يقول :"عرفنا كلنا الخبر يا جماعه .. فقدنا زميل عزيز .. أحمد عادل و...."
فقال واحد من حشود النمل : "أحمد على يا مستر"
فنظر إليه حكيم الزمان شذراً نظرة معناها : "وإن يكن .. لقد مات وانتهينا"
"نسألكم الدعاء له .. ونسأل الله أن يرحمه ويغفر له ..ودلوقتى بقى طلعوا كتب الرياضه .وافتحوا صفحة ..."
بعد هذه الكلمة ..لم أشعر بأى شئ على الإطلاق ..لم أشعر بنفسى إلا وعندما شممت رائحة النشادر المقبضه .. وشعرت بالأنفاس الحاره تلفح وجهى .. وسمعت الثرثره
"هى كويسه ؟؟ "
"هو ايه اللى حصل ؟؟"
"هو احنا ناقصين ؟؟ .. هى كمان ؟؟ "
وعندما فتحت عينىَّ .. كان أول ما تراءى لى هو وجه حنان العزيزة ..ومن حولها كانت حشود النمل تمد رؤؤسها فى فضول ..
كنت مستلقية على أريكة ما فى بيت حنان .. وقد اكتشفت للتو أننى كنت فاقدة للوعى لمدة لا تقل عن ثلث الساعه ..لماذا وضعونى أنا فى وضع الإستلقاء ووضعوه هو فى وضع الجلوس .. لماذا ؟؟
إنه غباء الجماهير .. تباً لغباء الجماهير ..
تباً للجموع ..
يا له من ببغاء ..عقله فى أذنيه ..
وجهى مبتل للغايه ..
دموع ...
إننى أبكى !!
اتمنى فقط ان تتفرق تلك الحشود المزعجه لأن الرائحة أصبحت لا تطاق بحق .. إننى ...
أتمنى ...
بيَد أننى لم أشعر بأى شئ للمرة الثانيه ..
اختفى الماضى .. وذاب الحاضر .. ولم يعد هناك مستقبل
وذهبت إلى ذلك العالم الذى يذهب إليه فاقدى الوعى جميعاً
وأثناء غيبوبتى ..ظننت أننى أرى وجهه !!
ظهر لى وجهه فجأة .. ثم أفقت مرة أخرى ..
هذه المرة لم أكن فى بيت حنان ..
كان مكاناً أبيض بشده .. اللون الأبيض كما يجب له أن يكون ..
وكأنه مهرجان للون الأبيض فقط ..
لست ميته لو جال هذا بخاطرك ..ولم أفهم لحظة الناس الذين يصفون الموت بأنه مكان أبيض تجد نفسك فيه ..
أنا فقط فى مستشفى ما ..كانت حنان بجوارى ..
قضيت فى المستشفى يومين .. وبعدها خرجت وعدت للمنزل ..قضت حنان العزيزة اليوم معى .. كانت تحاول أن تخرج منى المعلومات .ولكنى لم أصارحها بشئ ..فقط سألتها :
"طب ليه ؟؟ ..وازاى ؟؟! "
فهمت مغزى سؤالى ..تنهدت وقالت :
"كان عنده مرض كده ..سمعت ماما بتنطق اسمه بالإنجليزى ..بس هو بالعربى يعنى .. يعنى سرطان دم !! "
لا شعورياً تمتمت :
"سرطان دم ؟؟ ..لوكيميا !! "
"أيوه .. ايوه ..هى دى الكلمة دى ..كاليميا دى .. واضع يعنى من اللى ماما عرفته أنه كان عنده المرض ده من 4 سنين ..كان عارف بيموت خلاص .. الدكاترة رجحوا ان ادامه أقل من سنة كحد أقصى !! "
"أقل من سنة ؟؟! "
عادت حنان لمنزلها فى التاسعة مساءاً .. أما أنا فجلست على السرير لا ألوى على شئ !!
ثم تذكرت .. المظروف ... لقد قال لى أن أفتحه فى الوقت المناسب ..لو لم يكن هذا هو الوقت المناسب ..فأظن أن كلمة (مناسب) لا تعنى شيئاً على الإطلاق !!
أحضرت المظروف وفتحته ..
أولاً : كان بداخله الوردة الصفراء من جولتنا على كورنيش النيل ...
ثانياً : كان العدد (أسطورتها) من ما وراء الطبيعة !!
وضعت كل هذا بجانبى ثم كان أن (ثالثاً)
ثالثاً : ورقة فلوسكاب صغيرة مطوية .. فضضت الورقة فى لهفة وبدأت أقرأ ...
عبير ...
أظن أن هذا هو (الوقت المناسب ) فعلاً .. عرفت أنك ستعرفين متى ستفتحينه .. انتِ بخير؟؟ ..اتمنى ذلك ..
بما أنك تقرأين هذا الكلام ..فأظن أننى قد ذهبت !!
لا تحزنى ، ولا تغضبى .. لم اشأ إخبارك .. لقد جعلت آخر أيام حياتى أفضل أيام حياتى ..
وانت تتعرفين أكثر مما أعرف أنا ..أنه ليس معنى أن جسدى إذ ذهب أن روحى قد تلاشت أيضاً .. لا ..
إن روحى على الورق .. فى الكتب ..مع القلم ..
إن روحى معك أنتِ مثلما كان قلبى ..
لم أتوقع يوماً أن يصدر منى أنا مثل هذا الكلام الذى فى موقف آخر كنت سأراه مبتذلاً سخيفاً !!
تمنيت ألا يكونوا قد اخترعوا التليفزيون ..التمثيليات ..الأفلام .. لكى نعرف ..هل ما نشعر به حقيقى .. أم أننا فقط نفعل مثلما نرى على التلفاز .. نمثل سيناريو غير مكتوب ..
ولكن لا ، كل لحظة كانت حقيقية جداً .. بل أننا لم نكن نحتاج إلى كلمة (أحبك) ..تلك الكلمة التى أصبحت قطعة لادن فى فم كل من هَب ودَب .. بل كانت هذه الكلمة تنتقل كاملة المعانى بين روحينا ...
ويا لها من سخرية عظمى هى أن تكون نهايتى على يد مرض من الأمراض التى كان (رفعت إسماعيل) يحاربها .. سرطان الدم –كما أظن أنهم أخبروكِ-
ولكنك يا ماجى ما زلت حية ..واتساءل الآن .. أما زلتِ على عهدك ؟؟!
ثم كتب تحت هذه الكلمات عهد النجوم ..وهذه المرة كان هو الذى يسألنى :
-للأبد ؟؟!
ثم ترك تحتها فراغاً .. فوجدتنى أقول :
-للأبد ماذا ؟؟!
فكتب :
-أستظلين تحبيننى للأبد ؟؟!
وترك فراغاً تحتها .. فقلت بسرعة :
-وحتى تحترق النجوم .. وحتى تجف المحيطات .. وحتى ...
وهنا انفجرت فى البكاء !!
..
جيش النمل وقطعة السكر/ شعر ثاشر/ ملابس مبهدلة/ محرقة جثث/ انت بتقرأ الحاجات دى ؟ / أنا بانام عليها/ وكمان بتقرأ ما وراء الطبيعة ؟/ مايكونش ايه / مايكونش تافه : يعنى ..انتى ناضجة/ الحاجات من بعيد شكلها أحلى / نظرة استهتار / ورد اصفر / بائع الذرة يفهم هذه الأمور/ وردة لكل واحد/ريحتها غريبة/عباد الشمس ريحته مش برفان/انت عمرى/لو كان فى ريحان / بتحب الريحان؟ / جداً / ورد محظوظ/ورد سريع الذبلان/انتى وردة متكاملة/طريقة ..عميقة يعنى/ماجى/رفعت/وهنا وقع كيس الترمس/سور الأزبكية/أسطورتها/ بائع الكتب/محكمة الجنايات/انتى هاتعرفى .. انتى عبير !!
مرت ذكرياتنا كلها أمام عينى ..لن تعود هذه الأوقات ثانية .. لقد كانت ..ولكن لا أحد سيجعلنى أصدق أنها ستعود !!
وبكيت أياماً لم نعشها .. وبكيت أشياءاً لم نراها سوياً !!
للحظات شعرت أن (1=1+1) فعلاً ..بكيت كثيراً ..
ولم أشعر بنفسى عندما تهاوت رأسى على الوسادة ونمت ..
كان اسمه (أحمد على) وسأظل أذكره للأبد !!
ورأيته حينها .. كنت أعرف أنه سيأتى ..بل كنت انتظره ..
كان يقول لى وابتسامة رائعة بزاوية الفم اليسرى مرتسمة على وجهه :
"للأبد ؟؟! "
فقلت : للأبد ماذا؟؟!"
"أستظلين تذكريننى للأبد؟؟! "
كان صوته يبتعد شيئاً فشيئاً ...
"آه وربنا ، وحتى تحترق النجوم .. وحتى تجف المحيطات .. وحتى ...."
وهنا أسدلت الحياة ستائرها على مسرح اليوم .. استعداداً لمسرحية جديدة بالكامل ..
مسرحية بإسم (الغد) !!
..
رانيا فهمى
2012
مُؤلِمه :(
ردحذفولكن سردك ليها فيه إبداع ، سلمت أناملك :)
سلمت أناملك أنتِ إذ كتبت هذه الكلمات ...
ردحذفمبسوطة إنها عجبتك :) :) :)