انتِ شمعة .. كنتِ دوماً شمعة وأنا لم انتبه لذلك إلا اليوم ..ليتنى فعلت منذ بدأت البشرية !!
* * * * * * * * * (ولما تتلاقى الوشوش مرتين .. مابيتلاقوش يوم اللقا التانى )
* * * * * * * * * * * * *
"انا اسمى فيروز .. انتى اسمك ... "
"رانيا .. رانيا فهمى "
وكان ذلك اللقاء .. اللقاء الأول ...
طابور المدرسة المزدحم الذى يتميز عن باقى الطوابير بتلك الرائحة العفنة التى لا أعرف لها مصدراً .. ربما كان هذا فأراً ميتاً خنقه تلاميذ (كى جى 1) .. أو حتى جثة خنزير متعفن .. المهم أن هناك رائحة مقرفة تأتى من مكان ما فى طابورنا يا سادة !!
المدرس الذى يقدم الطابور يحاول أن يخدع نفسه ..والغريب أن خداعه وصل لدرجة أنه صدق نفسه وبدأ فى إلقاء خطبة عن إنجازات جيش النمل الأحمر فى غابات الأمازون !!
بعد أمد طويل .. قرر ذلك الرجل أن يخرس .. ولكنه لم يخل سبيلنا بالطبع .. وإلا فلمَ استحق لقب (مدرس) ؟؟!
"كله لازم يغنى النشيد .. دى تقاليد يا حلالـيـ ... قصدى يا أولادى الحلوين .. عشان كده عايز اسمع أعلى صوت .. فاهمين ؟؟!"
وتبدأ الموسيقى الجنائزية الكئيبة ، تخرج من مكبر صوت فى مكان ما ...
يستغل الرجل سذاجة أطفال الروضة وأطفال الأول الإبتدائى لكى يجعلهم ينشدون بصوت أعلى .. حتى تكتمل خدعته ..ويوهمنا أن هذا ليس وهماً .. ما هو مقتنع به ليس وهماً لخيال مريض !! ..
المهم أنه كان يستغل تلك الرغبة الطفولية لدي الأطفال فى التفوق فى أى شئ -حتى لو كان شيئاً كالتمرغ فى الطين- ويجعل يقول فى شراسة كأى جنرال نازى :
"أعلى .. هو ده أعلى صوت ؟؟ .. مش سامع حاجة .. عايز الأرض تتهز .. عايزها تتهززززززز !! "
وكأنه يريد الأطفال أن يتخلوا عن آدميتهم ويتحولون إلى قطيع غاضب من الأفيال الأفريقية فقط لأجل سواد عينيه !!
وسط كل هذا .. كنت أنا هناك ..
تلميذة فى الرابع الإبتدائى .. تسع سنوات .. ولكنى حينها كنت قد كونت فكرة لا بأس بها عن الحياة : (البشر حلاليف تبغى الوصول لبركة الطين !! ) ..كانت هذه هى نظريتى المرتجلة التى كنت حينها أراها نظرية لا تختلف كثيراً عن الـ (إنفجار العظيم) ..
كنا نقف صفوفاً فى الطابور .. صفاً لفصل 4/6 -فصلى- .. والصف المجاور هو فصل 4/5 -فصلها-
كان شعرها بنياً جميلاً ..والأجمل أنها لم تكن تغرقه بمثبتات الشعر اللعينة التى تجيد وضعها اى فتاة تظن انها تتأنق وتجعل الشعر يلمع فى الشمس حتى ليعمى بريقه بصرك ويجعلك ضفدعاً مشلولاً !!
ترتدى ذلك القميص الأزرق الفاتح وجونلة كحلية .. لبس كئيب كما لاحظتم ..ولكنه كان يظهرها وكأنها فى أبهى حللها ..
تعرفت إليها فى الطابور .. كانت إجتماعية كما هو واضح.. لا تترك فرصة للتعارف إلا واقتنصتها كأى قناص مكلف بقتل رئيس الولايات المتحدة !!
أما أنا فكنت شيئاً صغيراً خجولاً .. لا أريد أن أكشف عن مواهبى أو أفكارى أو عن أى شئ .. جل ما أريده هو أن أترك وشأنى ...
"انا اسمى فيروز .. فيروز خالد ..انتى اسمك .... "
"رانيا .. رانيا فهمى !! "
ثم دار بيننا حديث قصير . موضوع ما من تلك المواضيع التى يجيد الأطفال الحديث عنها .. مثل : (انا عندى 10 سنين ومع كده انا فى 4 ابتدائى) ..أو (أنا أكبر منكوا كلكوا أصلاً ) أو (أنا بارجح إن طولى هايوصل لـ 4 أمتار عشان أنا دخلت سنة 4 !! ) إلى آخر هذا الهراء الطفولى -مش موضوعنا-
ثم أخيراً تم العفو عنا .. فكدت حينها أسجد شكراً وزلغى .. لقد تركنا نذهب !!
ثم أننى أحياناً كنت ألتقى بها فى الـ (فسحة) .. تلك الكلمة السرمدية العميقة التى تهم أى طالب يحترم نفسه أكثر من الذهاب لرحلة إلى مركز الأرض ..
حينها كانت صديقة لفتاة أخرى ،غيرى..وكانت تتراءى لى أحياناً تلميحات بأنها تكرهنى .. كانتا -هى والفتاة الأخرى- يتهكمن أحياناً بشدة علىَّ .باعتبارى الفتاة الخجول المنقعصة عن العالم الخارجى فى قوقعتها المحرابية !!
كانتا -هى والفتاة الأخرى- من الطراز المنطلق الذى كما قلت آنفة (لا يترك فرصة للتعارف إلا ويقتنصها) .. واعبرتهما متغطرسات لا أكثر ولا أقل .. (روشات) كما كنت أطلق عليهما وقتها .. ولكنى -وهذا هو الغريب- كنت أشعر نحوها بنوع غريب من الـ .. الـ .. الدفئ ممكن .. أو حاجه حلوة مش عايزة أتخلى عنها .. حاجة حسيت بيها ومش عايزاها تخلص أو تختفى !!
استمر الوضع على هذا الحال .. فتاة متفوقة -بس مش لدرجة الدَح يعنى- خجول لا تدرى شيئاً ولا تعرف عن العالم أكثر من (رويات مصرية للجيب) وروايات (صرخة الرعب) .. وفتاة منفتحة تعرف ما تريد وتنفذه بوسائلها إن لم تتكفل لها الظروف بتنفيذه ..تعترض إن لم يعجبها (الشئ) .. وتبدى إعجابها إن أعجبها (الشئ) ..
3 سنوات مرت
12 سنة كان سننا حينها ...
على الأقل كان هذا هو سنى ..أو تقريباً كنت فى الـ(الثانية عشر إلَّا ثلاثة أشهر) .. اما هى فكان عمرها بالضبط اثنى عشر عاما وثلاثة أشهر ... تكبرنى بستة أشهر كما هو واضح !!
فى أول يوم فى الدراسة حينئذ كان الإرتكاب صفة مشتركة بيننا جميعاً ...
مرحلة جديدة .. سن جديدة .. الرقم واحد فى (11) تغير ليصبح اثنين فى (12) ..
أرشدتنى واحدة من تلك المشرفات المتناثرات فى الدور اللاتى لا عمل لهن إلا التلويح بأيديهن فى وجوه البشر ولا بأس ببعض الـ(ردح) أيضاً ..المهم أنها ارشدتنى لفصلى ..
1/6
أما هى فمن المفترض بها أن تكون فى 1/5 .. هذا هو الطبيعى .. بل كان هذا هو ناموس الحياة الذى لا يستطيع أن يخرقه اياً كان ..
ولكن من قال أن هناك من البشر من ليس وحشاً كاسراً قادراً على فعل وخرق أى شئ ؟؟!
دخلت لفصلى -ولدهشتى- وجدتها هناك ..جالسة فى الصف الأول ..الديسك الثانى ..بجانب فتاة تدعى (ندى) .. و كانت .....
كانت تبكى !!
فى البداية حاولت ألا أنظر إليها .. حاولت ألا اتساءل عن السبب الذى دفع تلك الفتاة التى غرست جذور سطوتها فى الأرض فأبت إلا الصمود للبكاء ..
فى النهاية استسلمت .. كان هناك مكاناً واحداًً فقط فارغاً فى الفصل كله بعدما امتلأ بحاجزى الأماكن الذين ينتظرون على باب المدرسة منذ الساعة الرابعة فجراً وبعدما أتيت أنا متأخرةً -كالعادة فى الحقيقة- .. المكان الشاغر الوحيد كان الديسك الأخير الصف الثالث على اليسار بمحاذاة الحائط الأيسر .. بجانب فتاة تدعى (اشرقت) .. أشرقت كانت مجرد فتاة أخرى .. أعنى أنها لم تتميز بشئ إلا بأن شعرها كان أصفر تقريباً ..أصفر قاتم وعينيها خضراوتان .. أى أن الفتيان كانوا يتصارعون عليها وكأنها ليست إلا قطعة لحم أُلقيت إلى ذئاب القويوط الجائعة !!
المهم أننى استسلمت وبدأت اسأل (أشرقت) : "هى ليه بتعيط ؟؟! "
فتنهدت أشرقت مستمتعة بجهلى ..وأخذت تستمتع بتأدية دورها كـ (عالمة ببواطن الأمور) .. تباً ..ليس هذا وقت الهراء !!
وفى النهاية تكرمت مشكورة وحكت لى الموضوع :
"أصل فى اعدادى .. هم مش عايزين شوشرة وشغب .. عشان كده بيفصلوا الأصحاب -اللى هم أنتيم أوى- عن بعض .. وهى انفصلت عن صاحبتها ..وجت فصلنا هنا .. عشان كده بتعيط ..!! "
ليست هذه هى الصيغة التى قالت بها الأمر ولكنها كانت بهذا المعنى يعنى ..
المهم أننى صُعقت .. كل هذا .. من أجل صديقتها .. صديقتها التى كانت تعبث فى الخارج مع صديقات أخريات .. فقط تأتى لتقوم ببعض الـ(طبطبة) على صاحبتها ..وتؤدى دورها حتى لا تقال عنها كلمة كده ولا كده .. تكون عملت اللى عليها يعنى ..تأدية واجب مش أكتر .. وبعدين الحياة هاتسير والعجلات هاتمشى .. بها أو بدونها .. الحياة ماشية وإشطة !!
وبمرور أسبوع لم تضع فيه صاحبتنا أى وقت فى فعل أى شئ إلا البكاء .. عرضت علىَّ (ندى) -الفتاة التى تجلس بجانب صاحبتنا- أن نبادل الأمكنة .. أى أنها ستأخذ مكانى بجانب أشرقت .. وانا سآخذ مكانها .. اعترضت فى البداية لأن صاحبتنا -كما تعرفون- كانت تتنمر علىَّ منذ ثلاث سنوات .. ولكنى وجدتنى فى النهاية أقبل بالوضع . ولكم أن تخمنوا سبب هذا العرض المرتجل .. لم تكن ندى تريد أكثر من فتاة تجلس بجانبها لتكون صديقتها وتتحدث معها أثناء الحصص حتى يطردهما المدرس أو (يطفش) من المدرسة .لا فتاة تبكى صباحاً وظهراً وعصراً ولا تنبس ببنت شفة ...
..
تعارف من جديد ...
..
أحضرت شنطتى وذهبت وجلست بجانبها دون مقدمات .. أما هى فلم تكلف نفسها أصلاً وتلتفت على الأقل .. حتى لتنظر إلى تلك المخلوقة التى جاءت بدون دعوة لتجلس بجانبها ..
فى النهاية .. نظرت إلى بعينين احمرتا من العَبَرات .. وقالت وكأنها لم تدرك الدنيا منذ قرون :
"وامال فين ندى؟؟!"
"ندى هاتقعد جنب أشرقت..."
ولمعلوماتكم ..ندى كانت مع صاحبتنا فى الفصل فى الصف الثالث الإبتدائى ..فكانت تحمل نحوها نوعاً من الألفة .. كالتى تحملها لصديق طفولتك ..فأبدت امتعاضاً نحو ما حدث وفى النهاية سكتت .. سكتت فعادت تبكى عندما علمت أنه لا جدوى !!
عندما هدأت .. بدأنا نتحدث .. لا أذكر ذلك الحوار جيداً .. ذاكرتى لا تسعفنى جداً ..حسناً سأقول لك أنَّى لك أن تعرف التلخيص الكامل لطابع هذا الحديث المنسى ..
تخيل حديثاً بين فتاة خجول وفتاة كانت تتهكم عليها فى الطفولة ..
هكذا كان حديثنا .. أذكر أننا تشجارنا على شئ ما .. ولكنه لم يكن شجاراً بمعنى الشجار .. بل كان أقرب إلى عبث أو دعابة ثقيلة ننسجها نحن الإثنتين ..
وبانتهاء ذلك الإسبوع .. اكتشفت أنها الجزء المفقود ..
الجزء المفقود من روحى !!
لا أعرف متى ولا كيف باتت صديقتى المفضلة .. بل قرينتى .. الجزء المقتطع من روحى ..
وكنت أشعر حيناً أننى/أنها نطبق هذا المثل : 1=1+1
وأدركت أن هذه الفتاة هى -ولا شك- صديقة عمرى ...
عندما أريد النطق بكلمة فأنطق بأول كلمة منها حتى أجدها تستكمل الجملة من عقلها ..وكأنها استخلصت ما أريد قوله وتشربته من بين تلك الفراغات فى ذرات الكون ..
وعندما نتحدث .. وتنوى أنت ان تستمع لحديثنا ..فيجب عليك أن تتأكد من أنك تتمتع بضغط دم ممتاز .. وإلا ستصاب بشلل رعاش ..لأنك ببساطة لن تفهم حرفاً !!
..
فيروزتى :))
مشروع استئناس الغوريللات/ويل يا ويل /فصل البنات/ذراع مشعرة/فودكا/بطاطس بالمايونيز/فيروزات/صوابع شكلها غريب/داست جاموسة على قلبه/ليلة سقوط البنطلون/الشيخ الحكيم/أمير الشعراء ولَّا أمير البحار/الرجال أوغاد/ماجى هبلة/رفعت وسيم/هاتى كل القصص اللى عندك/يا فيروز/نعم؟/على فكرة انتى فيروز !!
انتى فيروز
وأنا رانيا
وأنا باحبك
:)
دمتِ بخير يا صديقة العمر D:
* * * * * * * * * *
لا تبك يا صغيرى ،لا انظر نحو السماء .. من قلبك الحرير لا لم تقطع الرجاء :)
المدرس الذى يقدم الطابور يحاول أن يخدع نفسه ..والغريب أن خداعه وصل لدرجة أنه صدق نفسه وبدأ فى إلقاء خطبة عن إنجازات جيش النمل الأحمر فى غابات الأمازون !!
بعد أمد طويل .. قرر ذلك الرجل أن يخرس .. ولكنه لم يخل سبيلنا بالطبع .. وإلا فلمَ استحق لقب (مدرس) ؟؟!
"كله لازم يغنى النشيد .. دى تقاليد يا حلالـيـ ... قصدى يا أولادى الحلوين .. عشان كده عايز اسمع أعلى صوت .. فاهمين ؟؟!"
وتبدأ الموسيقى الجنائزية الكئيبة ، تخرج من مكبر صوت فى مكان ما ...
يستغل الرجل سذاجة أطفال الروضة وأطفال الأول الإبتدائى لكى يجعلهم ينشدون بصوت أعلى .. حتى تكتمل خدعته ..ويوهمنا أن هذا ليس وهماً .. ما هو مقتنع به ليس وهماً لخيال مريض !! ..
المهم أنه كان يستغل تلك الرغبة الطفولية لدي الأطفال فى التفوق فى أى شئ -حتى لو كان شيئاً كالتمرغ فى الطين- ويجعل يقول فى شراسة كأى جنرال نازى :
"أعلى .. هو ده أعلى صوت ؟؟ .. مش سامع حاجة .. عايز الأرض تتهز .. عايزها تتهززززززز !! "
وكأنه يريد الأطفال أن يتخلوا عن آدميتهم ويتحولون إلى قطيع غاضب من الأفيال الأفريقية فقط لأجل سواد عينيه !!
وسط كل هذا .. كنت أنا هناك ..
تلميذة فى الرابع الإبتدائى .. تسع سنوات .. ولكنى حينها كنت قد كونت فكرة لا بأس بها عن الحياة : (البشر حلاليف تبغى الوصول لبركة الطين !! ) ..كانت هذه هى نظريتى المرتجلة التى كنت حينها أراها نظرية لا تختلف كثيراً عن الـ (إنفجار العظيم) ..
كنا نقف صفوفاً فى الطابور .. صفاً لفصل 4/6 -فصلى- .. والصف المجاور هو فصل 4/5 -فصلها-
كان شعرها بنياً جميلاً ..والأجمل أنها لم تكن تغرقه بمثبتات الشعر اللعينة التى تجيد وضعها اى فتاة تظن انها تتأنق وتجعل الشعر يلمع فى الشمس حتى ليعمى بريقه بصرك ويجعلك ضفدعاً مشلولاً !!
ترتدى ذلك القميص الأزرق الفاتح وجونلة كحلية .. لبس كئيب كما لاحظتم ..ولكنه كان يظهرها وكأنها فى أبهى حللها ..
تعرفت إليها فى الطابور .. كانت إجتماعية كما هو واضح.. لا تترك فرصة للتعارف إلا واقتنصتها كأى قناص مكلف بقتل رئيس الولايات المتحدة !!
أما أنا فكنت شيئاً صغيراً خجولاً .. لا أريد أن أكشف عن مواهبى أو أفكارى أو عن أى شئ .. جل ما أريده هو أن أترك وشأنى ...
"انا اسمى فيروز .. فيروز خالد ..انتى اسمك .... "
"رانيا .. رانيا فهمى !! "
ثم دار بيننا حديث قصير . موضوع ما من تلك المواضيع التى يجيد الأطفال الحديث عنها .. مثل : (انا عندى 10 سنين ومع كده انا فى 4 ابتدائى) ..أو (أنا أكبر منكوا كلكوا أصلاً ) أو (أنا بارجح إن طولى هايوصل لـ 4 أمتار عشان أنا دخلت سنة 4 !! ) إلى آخر هذا الهراء الطفولى -مش موضوعنا-
ثم أخيراً تم العفو عنا .. فكدت حينها أسجد شكراً وزلغى .. لقد تركنا نذهب !!
ثم أننى أحياناً كنت ألتقى بها فى الـ (فسحة) .. تلك الكلمة السرمدية العميقة التى تهم أى طالب يحترم نفسه أكثر من الذهاب لرحلة إلى مركز الأرض ..
حينها كانت صديقة لفتاة أخرى ،غيرى..وكانت تتراءى لى أحياناً تلميحات بأنها تكرهنى .. كانتا -هى والفتاة الأخرى- يتهكمن أحياناً بشدة علىَّ .باعتبارى الفتاة الخجول المنقعصة عن العالم الخارجى فى قوقعتها المحرابية !!
كانتا -هى والفتاة الأخرى- من الطراز المنطلق الذى كما قلت آنفة (لا يترك فرصة للتعارف إلا ويقتنصها) .. واعبرتهما متغطرسات لا أكثر ولا أقل .. (روشات) كما كنت أطلق عليهما وقتها .. ولكنى -وهذا هو الغريب- كنت أشعر نحوها بنوع غريب من الـ .. الـ .. الدفئ ممكن .. أو حاجه حلوة مش عايزة أتخلى عنها .. حاجة حسيت بيها ومش عايزاها تخلص أو تختفى !!
استمر الوضع على هذا الحال .. فتاة متفوقة -بس مش لدرجة الدَح يعنى- خجول لا تدرى شيئاً ولا تعرف عن العالم أكثر من (رويات مصرية للجيب) وروايات (صرخة الرعب) .. وفتاة منفتحة تعرف ما تريد وتنفذه بوسائلها إن لم تتكفل لها الظروف بتنفيذه ..تعترض إن لم يعجبها (الشئ) .. وتبدى إعجابها إن أعجبها (الشئ) ..
3 سنوات مرت
12 سنة كان سننا حينها ...
على الأقل كان هذا هو سنى ..أو تقريباً كنت فى الـ(الثانية عشر إلَّا ثلاثة أشهر) .. اما هى فكان عمرها بالضبط اثنى عشر عاما وثلاثة أشهر ... تكبرنى بستة أشهر كما هو واضح !!
فى أول يوم فى الدراسة حينئذ كان الإرتكاب صفة مشتركة بيننا جميعاً ...
مرحلة جديدة .. سن جديدة .. الرقم واحد فى (11) تغير ليصبح اثنين فى (12) ..
أرشدتنى واحدة من تلك المشرفات المتناثرات فى الدور اللاتى لا عمل لهن إلا التلويح بأيديهن فى وجوه البشر ولا بأس ببعض الـ(ردح) أيضاً ..المهم أنها ارشدتنى لفصلى ..
1/6
أما هى فمن المفترض بها أن تكون فى 1/5 .. هذا هو الطبيعى .. بل كان هذا هو ناموس الحياة الذى لا يستطيع أن يخرقه اياً كان ..
ولكن من قال أن هناك من البشر من ليس وحشاً كاسراً قادراً على فعل وخرق أى شئ ؟؟!
دخلت لفصلى -ولدهشتى- وجدتها هناك ..جالسة فى الصف الأول ..الديسك الثانى ..بجانب فتاة تدعى (ندى) .. و كانت .....
كانت تبكى !!
فى البداية حاولت ألا أنظر إليها .. حاولت ألا اتساءل عن السبب الذى دفع تلك الفتاة التى غرست جذور سطوتها فى الأرض فأبت إلا الصمود للبكاء ..
فى النهاية استسلمت .. كان هناك مكاناً واحداًً فقط فارغاً فى الفصل كله بعدما امتلأ بحاجزى الأماكن الذين ينتظرون على باب المدرسة منذ الساعة الرابعة فجراً وبعدما أتيت أنا متأخرةً -كالعادة فى الحقيقة- .. المكان الشاغر الوحيد كان الديسك الأخير الصف الثالث على اليسار بمحاذاة الحائط الأيسر .. بجانب فتاة تدعى (اشرقت) .. أشرقت كانت مجرد فتاة أخرى .. أعنى أنها لم تتميز بشئ إلا بأن شعرها كان أصفر تقريباً ..أصفر قاتم وعينيها خضراوتان .. أى أن الفتيان كانوا يتصارعون عليها وكأنها ليست إلا قطعة لحم أُلقيت إلى ذئاب القويوط الجائعة !!
المهم أننى استسلمت وبدأت اسأل (أشرقت) : "هى ليه بتعيط ؟؟! "
فتنهدت أشرقت مستمتعة بجهلى ..وأخذت تستمتع بتأدية دورها كـ (عالمة ببواطن الأمور) .. تباً ..ليس هذا وقت الهراء !!
وفى النهاية تكرمت مشكورة وحكت لى الموضوع :
"أصل فى اعدادى .. هم مش عايزين شوشرة وشغب .. عشان كده بيفصلوا الأصحاب -اللى هم أنتيم أوى- عن بعض .. وهى انفصلت عن صاحبتها ..وجت فصلنا هنا .. عشان كده بتعيط ..!! "
ليست هذه هى الصيغة التى قالت بها الأمر ولكنها كانت بهذا المعنى يعنى ..
المهم أننى صُعقت .. كل هذا .. من أجل صديقتها .. صديقتها التى كانت تعبث فى الخارج مع صديقات أخريات .. فقط تأتى لتقوم ببعض الـ(طبطبة) على صاحبتها ..وتؤدى دورها حتى لا تقال عنها كلمة كده ولا كده .. تكون عملت اللى عليها يعنى ..تأدية واجب مش أكتر .. وبعدين الحياة هاتسير والعجلات هاتمشى .. بها أو بدونها .. الحياة ماشية وإشطة !!
وبمرور أسبوع لم تضع فيه صاحبتنا أى وقت فى فعل أى شئ إلا البكاء .. عرضت علىَّ (ندى) -الفتاة التى تجلس بجانب صاحبتنا- أن نبادل الأمكنة .. أى أنها ستأخذ مكانى بجانب أشرقت .. وانا سآخذ مكانها .. اعترضت فى البداية لأن صاحبتنا -كما تعرفون- كانت تتنمر علىَّ منذ ثلاث سنوات .. ولكنى وجدتنى فى النهاية أقبل بالوضع . ولكم أن تخمنوا سبب هذا العرض المرتجل .. لم تكن ندى تريد أكثر من فتاة تجلس بجانبها لتكون صديقتها وتتحدث معها أثناء الحصص حتى يطردهما المدرس أو (يطفش) من المدرسة .لا فتاة تبكى صباحاً وظهراً وعصراً ولا تنبس ببنت شفة ...
..
تعارف من جديد ...
..
أحضرت شنطتى وذهبت وجلست بجانبها دون مقدمات .. أما هى فلم تكلف نفسها أصلاً وتلتفت على الأقل .. حتى لتنظر إلى تلك المخلوقة التى جاءت بدون دعوة لتجلس بجانبها ..
فى النهاية .. نظرت إلى بعينين احمرتا من العَبَرات .. وقالت وكأنها لم تدرك الدنيا منذ قرون :
"وامال فين ندى؟؟!"
"ندى هاتقعد جنب أشرقت..."
ولمعلوماتكم ..ندى كانت مع صاحبتنا فى الفصل فى الصف الثالث الإبتدائى ..فكانت تحمل نحوها نوعاً من الألفة .. كالتى تحملها لصديق طفولتك ..فأبدت امتعاضاً نحو ما حدث وفى النهاية سكتت .. سكتت فعادت تبكى عندما علمت أنه لا جدوى !!
عندما هدأت .. بدأنا نتحدث .. لا أذكر ذلك الحوار جيداً .. ذاكرتى لا تسعفنى جداً ..حسناً سأقول لك أنَّى لك أن تعرف التلخيص الكامل لطابع هذا الحديث المنسى ..
تخيل حديثاً بين فتاة خجول وفتاة كانت تتهكم عليها فى الطفولة ..
هكذا كان حديثنا .. أذكر أننا تشجارنا على شئ ما .. ولكنه لم يكن شجاراً بمعنى الشجار .. بل كان أقرب إلى عبث أو دعابة ثقيلة ننسجها نحن الإثنتين ..
وبانتهاء ذلك الإسبوع .. اكتشفت أنها الجزء المفقود ..
الجزء المفقود من روحى !!
لا أعرف متى ولا كيف باتت صديقتى المفضلة .. بل قرينتى .. الجزء المقتطع من روحى ..
وكنت أشعر حيناً أننى/أنها نطبق هذا المثل : 1=1+1
وأدركت أن هذه الفتاة هى -ولا شك- صديقة عمرى ...
عندما أريد النطق بكلمة فأنطق بأول كلمة منها حتى أجدها تستكمل الجملة من عقلها ..وكأنها استخلصت ما أريد قوله وتشربته من بين تلك الفراغات فى ذرات الكون ..
وعندما نتحدث .. وتنوى أنت ان تستمع لحديثنا ..فيجب عليك أن تتأكد من أنك تتمتع بضغط دم ممتاز .. وإلا ستصاب بشلل رعاش ..لأنك ببساطة لن تفهم حرفاً !!
..
فيروزتى :))
مشروع استئناس الغوريللات/ويل يا ويل /فصل البنات/ذراع مشعرة/فودكا/بطاطس بالمايونيز/فيروزات/صوابع شكلها غريب/داست جاموسة على قلبه/ليلة سقوط البنطلون/الشيخ الحكيم/أمير الشعراء ولَّا أمير البحار/الرجال أوغاد/ماجى هبلة/رفعت وسيم/هاتى كل القصص اللى عندك/يا فيروز/نعم؟/على فكرة انتى فيروز !!
انتى فيروز
وأنا رانيا
وأنا باحبك
:)
دمتِ بخير يا صديقة العمر D:
* * * * * * * * * *
لا تبك يا صغيرى ،لا انظر نحو السماء .. من قلبك الحرير لا لم تقطع الرجاء :)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق